التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 40 مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون 41 إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم 42 وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون 43 خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين 44 اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون 45}

صفحة 5573 - الجزء 8

  الْبُيُوتِ» أضعفها «لَبَيتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ذلك ولم يجهلوه، وقيل: (لو) يتصل بقوله: «اتَّخَذُوا» يعني لو علموا أن اتخاذهم الأوثان آلهة كاتخاذ العنكبوت بيتًا، وليس معناه لو علموا أن أوهن البيوت بيت العنكبوت «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ» هذا وعيد منه تعالى؛ يعني: جعلهم ما يعبد هَؤُلَاءِ الكفار ويتخذونه أربابًا من دونه تعالى و (ما) كناية عن الأوثان المعبودين؛ لأنها لا تعقل، أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وهو القادر على أخذهم والانتقام منهم. وقيل: معناه أن الله عليم حكيم لا يفعل إلا الحكمة، فأمهلهم لوجه من الحكمة علمه وخفي على غيره «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ» في القرآن «نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ» أي: الأشباه والأوصاف بيّنها لهم؛ ليعرف قبح ما هم فيه من عبادة غير الله «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ» قيل: إلا العالمون بالتوحيد، وقيل: إلا من يعلم وجه الشبه بين المثل والممثل به، وقيل: إلا من تفكر واستدل بعلم، وعن جابر أن رسول الله ÷ تلا هذه الآية فقال: «العاقل من [عقل عن] اللَّه فعمل بطاعته واجتنب سخطه».

  ثم بيّن ما يدل على أنه المستحق للعبادة، فقال سبحانه: «خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لغرض صحيح «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً» حجة «لِلْمُؤْمِنِينَ» وخصهم بذلك؛ لأنهم ينتفعون بها «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الْكِتَابِ» أي: ما أوحي إليك من القرآن، قيل: أراد أن يتلو لنفسه ويعمل به، ويبلغه إلى غيره ليؤمن به ويعمل بموجبه «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ» قيل: أراد به الدعاء إلى ما شرع من الدين، والصلاة في أصل اللغة: الدعاء، قال الشاعر:

  وَصَلَّى عَلَى دَنِّها وَارْتَسَمْ