التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 40 مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون 41 إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم 42 وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون 43 خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين 44 اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون 45}

صفحة 5574 - الجزء 8

  فكأنه أمره بتلاوة الكتاب وإقامة الدعاء به إلى ما شرع من الدين، عن أبي مسلم. وقيل: أراد به القراءة، ودليله قوله: {وَلَا تجهَرْ بِصَلَاتِكَ}⁣[الإسراء: ١١٠] أي: بقراءتك، وقيل: هي الصلاة المعروفة المشتملة على الركوع والسجود، وعليه أكثر المفسرين، وهو الصحيح؛ لأن اللفظ إذا كان له معنى في اللغة ومعنى في الشرع إذا ورد عن اللَّه ورسوله حمل على معنى الشرع، وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: أقم الصلاة واتل ما أوحي إليك؛ فإنها {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، قيل: الدعاء إلى الحق ينهى عن الفحشاء، والمنكر المعاصي الذي ينكره العقل أو الشرع، قال ابن عباس وابن مسعود: الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال ابن مسعود: الصلاة لا تنفع إلا من أطاعه، ثم اختلفوا في تأويلها، فقيل: لأنها بمنزلة الناهي بالقول؛ لأن فيها التكبير والتسبيح والقراءة والوقوف لله تعالى، وكل ذلك يدعو إلى ترك الفحشاء، فهي كالداعي إلى تركه، ونظيره: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}⁣[فصلت: ١١] وقال الشاعر:

  امْتَلأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي

  وقيل: الصلاة تنهى عن الفحشاء ما دام فيها، وقيل: القرآن الذي يَقْرَأ فيها ينهاه عن الفحشاء، وقيل: الصلاة لطفه في ترك الفحشاء والمنكر، تقرب العبد، فإن انتهى فهو لطف وتوفيق، وإلا فهو قد أُتِيَ من جهة نفسه، ووجه اللطف: إذا أداها على وجه الخضوع، وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: أقم الصلاة واتل ما أوحي إليك، فهو ينهى عن الفحشاء والمنكر، وقيل: ينبغي أن تنهاه صلاته كقوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» قيل: أكبر شيء في النهي عن الفحشاء والمنكرات، يذكر العبد ربه وما ذكر من الوعد والوعيد ومن الثواب والعقاب فهو