التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}

صفحة 724 - الجزء 1

  أما الرفع فلأنه اسم (ليس)، وخبره في «تولوا»، وتقديره: ليس البر توليكم، وأما النصب فجعل (أن) وصلتها في موضع الرفع على اسم (ليس) تقديره: ليس توليكم وجوهكم البر كله، لقوله {مَا كاَنَ حُجَّتَهُم إِلا أنْ قَالُوا} {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ} والاختيار الرفع؛ لأن (ليس) يتقدم اسمها قبل خبرها، والفائدة في الخبر.

  قرأ نافع وابن عامر «ولكن» خفيفة «البر» رفع. وقرأ الباقون «لَكِنَّ» مشددة «البر» نصب.

  · اللغة: البَرُّ: الواسع الإحسان، وهو البار، والبِرُّ: مصدر، وهو العطف والإحسان، والبر: الصدق، والبر: الإيمان والتقوى، وأصله من الاتساع، ومنه البَرُّ خلاف البحر لاتساعه.

  والمسكين: الفقير، وجمعه مساكين، وأصله السكون ضد الحركة، كأن الفقر أسكنه، واختلف أهل اللغة والفقهاء أيهما أشد فقرًا؟ فقال أكثرهم: المسكين الذي لا شيء له، والفقير من له شيء، وهو قول يونس ويعقوب وابن دريد وجماعة من أئمة اللغة وقول أبي حنيفة وأصحابه، وقال بعضهم: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين من له شيء، وهو قول ابن الأنباري والشافعي.

  والسبيل: الطريق، وابن السبيل: هو المسافر، وسمي بذلك للزومه السبيل.

  والرقاب: جمع رقبة، وهو أصل العتق، ويعبر به عن جميع البدن، يقال: عندي كذا رقبة، ومنه: {فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ}.

  والبأساء: الشدة.

  والضراء: المضرة، ويبنى على فَعْلاء وليس لهما أَفْعَلُ؛ لأن «أفعل وفعلاء» إنما