قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}
  الثالث: نصبه على تطاول الكلام؛ لأن من شأن العرب أن تغير الإعراب إذا طال الكلام، عن أبي عبيدة وأبي علي، وتقديره: أعني الصابرين.
  · النزول: روي أنه لما حولت القبلة كثر الخوض في نسخها، وصار كأنه لا يراعى بطاعته اللَّه إلا التوجه للصلاة، وأكثر اليهود والنصارى ذكرها، وذكر الكعبة، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، عن أبي القاسم.
  وعن قتادة أنها نزلت في اليهود، وعنه أن رجلاً سأل رسول اللَّه ÷ عن البر، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، وكان الرجل قَبْلَ الفرائض إذا أتى بالشهادتين، ثم مات يطمع له في الجنة، فلما هاجر وفرض الفرائض أنزل اللَّه تعالى هذه الآية.
  · المعنى: لما بَيَّنَ تعالى أمر القبلة وما أقدم عليه أهل الكتاب من كتمان أمرها وأمر الرسول بَيَّنَ تعالى أن للإيمان شرائط سوى التوجه إلى القبلة، فقال تعالى: «لَيسَ الْبِرَّ» فيه ثلاثة أقوال:
  الأول: ليس الإيمان والتقوى، وذكر لفظ البر؛ لأنه كلمة مدح كقولهم: مؤمن، وبقي معناه، ومعناه: ليس البر هذا ما لم تقارنه معرفة اللَّه والتمسك بما ألزم، وإنما يكون برا مع غيره إذا فعل على وجه العبادة والقربة، عن القاضي.
  والثاني: أنه خطاب لليهود والنصارى، يعني ليس البر ما أنتم عليه من التوجه إلى المغرب كما تفعله اليهود ولا التوجه إلى المشرق كما تفعله النصارى؛ لأن ذلك منسوخ، والتمسك بالمنسوخ ليس ببر «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ» وفعل ما ذكر، عن قتادة والربيع ومقاتل والحسن وأبي علي وأبي القاسم.