التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}

صفحة 727 - الجزء 1

  والثالث: أنه خطاب للمؤمنين يعني: ليس كل البر في التوجه في الصلاة، والمراد ليس كل البر أن تصلوا، وإنما البر هذه الأعمال، عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والأصم وأبي مسلم.

  «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ» في تقديره أربعة وجوه:

  الأول: لكن البر بر من آمن، واستغنى بذكر الأول عن الثاني، كقولهم: السخاء حاتم، والفقه أبو حنيفة، والشعر زهير، عن قطرب والفراء والزجاج وأبي علي.

  الثاني: ولكن ذو البر كقولهم: درجات أي ذو درجات، حكاه عن الزجاج.

  والثالث: ولكن البر بر من آمن بِاللَّهِ، كقوله: {وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى} أي للمتقين، عن أبي عبيدة.

  الرابع: ولكن البر بالإيمان؛ لأن (من آمن) لما وقع موقع المصدر جعل خبرًا للبر، كأنه قيل: ولكن البر بالإيمان، والعرب تجعل الاسم خبرًا للفعل كقولهم: إنما البِرُّ الصادق الذي يصل رحمه، عن المفضل، قال القاضي: والوجه الأول أحسن وأقرب إلى اتساق الكلام، فيكون معناه: ولكن البر الذي هو كل البر الذي يؤدي إلى الثواب من آمن بِاللَّهِ، قيل: الإيمان ببر التصديق ههنا؛ لأنه قيده بِاللَّهِ، ولأنه عطف عليه بالأفعال، ولا شبهة أنه أصل البر، ولا يصح شيء من خصال البر إلا به، ويدخل فيه جميع ما لا يتم معرفة اللَّه إلا به كمعرفة حدث العالم وإثبات المحدث وصفاته الواجبة والجائزة، وما يستحيل عليه، ومعرفة أفعاله، وما يجوز عليه وما لا يجوز، وجميع ما يتصل به «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» يعني يوم القيامة سمي به لتأخره عن الدنيا، فيقر بالبعث والملائكة، والإيمان بهم أن يقر بأنهم عباد اللَّه ورسله إلى أنبيائه، وأنهم