قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}
  معصومون «وَالْكِتَاب» فيقر بجميع كتب اللَّه أنه منزل على أنبيائه «وَالنَّبِيّينَ» يقر بأن الأنبياء كلهم رسل اللَّه معصومون، ولا يفرق بينهم، ويُؤمَنُ بأن خاتمهم محمد ÷ وأن شريعته تَجُبُّ جميع الشرائع، وأن التمسك بشريعته واجب إلى يوم القيامة، «وَآتَى الْمَالَ» يعني أعطى المال في وجوه البر «عَلَى حُبّهِ» قيل: حب ماله، عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وأبي علي وأبي مسلم، يعني: حيث شاءه وأراده لبقاء ماله، قال ابن مسعود: وهو أن تعطيه وأنت صحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وإنما خصه بالذكر؛ لأن الإعطاء في تلك الحال أشق وثوابه أكثر، وقيل: الكناية راجعة إلى الإيتاء، كأنه قيل: يعطي ويحب الإعطاء رغبة في ثوابه تعالى، وقيل: الضمير عائد على اسم اللَّه تعالى، يعني يعطون المال لحب اللَّه أي طلب مرضاته.
  ويقال: هذه العطية أهي الزكاة أم غيرها؟ وهل يدخل فيها الواجب فقط؟ أم التطوع أيضًا؟
  قلنا: فيه قولان: منهم من قال: لا يدخل فيه إلا الواجبات، ثم اختلف هَؤُلَاءِ، فمنهم من قال: إنه الزكاة، عن الأصم. ومنهم من قال: في المال حقوق واجبة سوى الزكاة، عن ابن عباس. والثاني: أنه يدخل فيه التطوع أيضًا، عن أبي علي. قال القاضي: والأقرب أن الآية تتناول الواجبات؛ لأنه علق التقوى به.
  ثم اختلف من قال: إنها تتناول الواجبات، فقال الحسن والأصم: هي الزكاة الواجبة، وقيل: هي [كل] حق سوى الزكاة، عن ابن عباس والشعبي وأبي علي. قال القاضي: وذلك نحو ما يلزم من إطعام المضطر ونحوه، وخص هَؤُلَاءِ؛ لأن الغالب أنه لا يوجد الاضطرار إلا في هَؤُلَاءِ، ولا يجوز حمله على الزكاة. لأنه عطف عليه الزكاة، وقال بعضهم: أراد به التطوع فقط، ورووا عن علي أن الزكاة تستحب كل واجب، وهذا يحمل على المقدورات؛ لأن ما يلزمه عند الضرورات من نفقة الأقارب والمماليك ليس بمنسوخ بالإجماع، و «ذَوِي الْقُرْبَى» أكثر المفسرين على أن المراد به ذوو قرابة المعطي، وهم من تقرب منه بولادة الأبوين والأجداد والجدات، قيل: هم