التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}

صفحة 729 - الجزء 1

  ذوو الرحم المحرم الذي تجب نفقتهم. وقيل: إنهم القربى في آية النفل والغنيمة، حكاه القاضي. والأول الوجه؛ لأنه ظاهر الكلام، وهم أخص بالمعطي، وهم من تقرب منه بولادة الأبوين والأجداد، وروي أن النبي ÷ سئل أي الصدقة أفضل؟

  قال: «جُهْدُ المُقِلِّ على ذي القرابة الكاشح» «وَالْيَتَامَى» اليتيم من لا أب له مع الصغر، وقيل: أراد باليتامى أنفسهم فيعطيهم، وقيل: أراد ذوي اليتامى، يعني من تكفل بأمرهم؛ لأنه لا تمييز له ولا يصح إيصال المال إليه إلا أن يعقل، فيصح دفع المال إليه، فيدخل في الآية «وَالْمَسَاكِينَ» يعني أهل الحاجة، وهم ضربان: أحدهما يكف عن السؤال وهو المراد ههنا، والثاني: يسأل، وهو المعنى في قوله: «وَالسَّائِلِينَ» وإنما جمع بينهما لأن أحدهما بالسؤال تُعرف حاجته، والآخر ما يظهر من حاله «وَابْنَ السَّبِيلِ» قيل: الضيف، عن قتادة وسعيد بن جبير وابن عباس. وقيل: المسافر المنقطع من ماله، عن أبي جعفر ومجاهد وأبي علي. «وَالسَّائِلِينَ» قيل: هو الذي يسألك، عن عكرمة «وَفِي الرِّقَابِ» فيه أقوال: قيل: في رقاب المكاتبين، وقيل: في عتق الرقاب بأن يشتري ويعتق، قَال أبو علي: وكلاهما يحتمل. وقيل: في فداء الأسارى. والأول الوجه؛ لأنه في إيتاء الزكاة. «وَأَقَام الصّلاَةَ»، يعني: الصلوات المفروضة، وإقامتها القيام بأدائها وإتمامها، «وآتى الزَّكَاةَ» يعني أعطى زكاة ماله «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا» يعني عهودًا وأمورًا لزمتهم بعقودهم ونذورهم وأيمانهم.

  أما الأول فما يلزمه بعقود المعاوضات من التسليم ونحوه.

  والثاني: ما يعاهد اللَّه عليه من الطاعات ويوجبه نذرًا.

  والثالث: الأيمان والوفاء به وكفارته، وقيل: عهودا عاهدوا الرسول عليها عند البيعة من القيام بالنصرة، قال القاضي: ويجب حمله على الجميع لعموم اللفظ، ولا