قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون 177}
  يجوز حمله على ما يلزم ابتداءً من جهة اللَّه تعالى؛ لأنه أضاف العهد إليهم «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ» قيل: البأساء: البؤس والفقر، والضراء: السقم والعلة، عن ابن مسعود وقتادة وجماعة من المفسرين. «وَحِينَ الْبَأْسِ» قيل: وقت القتال ولقاء العدو، عن ابن مسعود وقتادة ومجاهد والربيع وغيرهم، وخص هذه الأحوال لما فيها من الخوف على النفس والمال. ثم اختلفوا فقيل: إنه عطف على إيتاء المال والمراد ما يلزم من معونتهم عند صبرهم على ما دفعوا إليه، وقيل: إنه مدحهم بالصبر كما مدح مَنْ قبلهم، وليس بعطف على ذوي القربى والأصناف المذكورين الَّذِينَ توضع فيهم الصدقة، قال القاضي: وهو الأولى؛ لأنه إذا استقل بنفسه، فلا وجه لتقدير العطف «أُوْلَئِكَ» إشارة إلى من تقدم ذكرهمِ «الَّذِينَ صَدَقُوا» قيل: صدقوا في جميع ما تقدم بأن التزموه علمًا وتمسكوا به عملا، عن ابن عباس والحسن وأبي مسلم، كأنه قيل: صدقوا في القيام بجميع ما كلفوا. قال أبو مسلم: مَنْ فعل جميع ذلك فهو صادق فيما ينتحله من الإيمان، وقيل: صدقوا في عهدهم الذي تقدم ذكره، عن أبي علي والأصم. قال القاضي: والأول الوجه؛ لأن في كلا الوجهين يدخل المجاز، والأول أعم وأكثر فائدة «وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» يعني اتقوا كل ما نُهُوا عنه، فكأنه تعالى جمع بين شيئين فيهما فوزه ونجاته: أحدهما: القيام بفعل ما كلف، والثاني: اجتناب ما نهي عنه.
  · الأحكام: الآية تدل على بطلان قول من يقول: الإيمان هو الإقرار فقط؛ لأنه تعالى علق التقوى بجميع ما تقدم.
  وتدل على بطلان قول من يزعم أن الإيمان معارف لا يصح فيها الزيادة والنقصان؛ لأنه تعالى بدأ بأفعال القلوب ثم عدل إلى أفعال الجوارح، فذكر الصلاة والزكاة وإعطاء الحقوق، وبدأ بالأهم فالأهم على الترتيب المذكور.