التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير 16 يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور 17 ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور 18 واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير 19}

صفحة 5656 - الجزء 8

  أحد لوى عنقه تكبرًا، عن عكرمة. وقيل: هو الذي يكون بينكم وبينه شيء، فإذا لقيتَهُ أعرضتَ عنه، عن مجاهد. وقيل: لا تحقر الفقير، وليكن الفقير والغني عندك سواء، عن قتادة، والربيع. وقيل: لا تعبس في وجوه الناس، عن المؤرج. «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا» أي: بطرًا ونشاطًا وخيلاء «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ» أي: متكبر «فَخُورٍ» على الناس يستطيل عليهم بذكر مناقبه «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ» قيل: تواضع ولا تتكبر، وليكن مشيك قصدًا لا ثقيلاً ولا سريعًا، فهو مشي بين المشيتين، لا مشي الشيطان ولا مشي المتكبرين، وقيل: أسرع في مشيك أنفى للكبر عن نفسك، وقيل: لا تمش من غير قصد فإنه عيبة «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ» أي: لا تجهد كل الجهد ولكن على وجه التواضع «إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ» قيل: أقبحها، عن مجاهد، وقتادة، والضحاك. يقال: وجه منكر، أي: قبيح، وقيل: أشد، عن عكرمة. وقيل: أثقل عن السمع، قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيًرا لما فعله الحمير «لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» قيل: صوت الحمير منكر منه؛ لأن الإنسان ينفر منه، وقيل: لأنه ينهق بلا فائدة، وقيل: لأن أوله زفير وآخره شهيق، وقيل: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير من الإنسان؛ لا من الحمير؛ لأن رفع الصوت على ذلك الوجه لا يكون إلا للانتهار والاستخفاف بمَنْ دونه، وقيل: أراد بالحمير الحمير، وهم الجهال من الناس شبههم، عن زيد بن علي. وهذا أحسن ما قيل فيه لأن أصوات الجهال في المنكرات وفيما لا فائدة فيه يقبح.

  ثم ذكر تعالى أدلته ونعمه، فقال سبحانه: «أَلَمْ تَرَوْا» ألم تعلموا «أَنَّ اللَّه سَخَّرَ لَكُمْ» أي: لمنافعكم ومصالحكم {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من الشمس والقمر والنجوم والسحاب والأمطار «وَمَا فِي الْأَرْضِ» من الحيوان والنبات وغير ذلك مما تنتفعون به، وإنما علقها بالعلم؛ لأن الإنسان ما لم يعلم أن هذه الأشياء محدثة ولها مُحْدِث لا يجوز عليه النفع والضر لم يعلم أنه أحدثها لمنافع العباد «وَأَسْبغَ عَلَيكُمْ» أي: وَسَّعَ «نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» النعمة التي هي النفع الحسن إذا قصد المنعم الإحسان، وقيل: الظاهرة: الدِّينُ، والباطنة: ما غاب عن العباد وعَلِمَهُ اللَّه، عن ابن عباس. وقيل: الظاهرة: تسوية الخلق والرزق والإسلام، والباطنة: ما ستر من الذنوب، عن مقاتل. وقيل: الظاهرة: حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء، والباطنة: المعرفة، عن الضحاك. وقيل: الظاهرة: نِعَمُ الجوارح، والباطنة: نِعَمُ القلب، عن الربيع.