التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 178}

صفحة 734 - الجزء 1

  الأول: يجب على من يتولى القصاص، وهو الإمام ومن يجري مجراه، وقد جرى ذكره؛ لأنه من جملة المؤمنين.

  والثاني: يجب على القاتل تسليم النفس عند مطالبة الولي، وليس له الامتناع كما للزاني والسارق الهرب من الحد، وإنما كان كذلك؛ لأنه حق آدمي إلا أنه يجب عند شرائطه في المقتول والقتل والآلة والقاتل، فإذا تكاملت الشرائط يجب حَقًّا للولي، ثم اختلفوا في الاستيفاء، فعند مشايخنا استيفاء القصاص إلى الإمام فقط، أو من يجري مجراه، وعند أكثر الفقهاء لولي الدم أن يستوفي في القتلى جماعة القتيل، ولا خلاف أن المراد به قتل العمد؛ لأن العمد هو الذي يجب فيه القصاص دون الخطأ، وشبه العمد، وسنبين ذلك في الأحكام.

  ومتى قيل: فالقصاص عقوبة أم لا؟ فإن كان عقوبة فلم وقفت على مطالبة الآدمي؟

  قلنا: لا شبهة أنه عقوبة في المُصِرِّ امتحان في التائب ولطف له، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: يجري مجرى حقوق الأموال، وعليه أكثر الفقهاء، ومنهم من قال:

  إنه حق لله تعالى، وللولي الطلب والإسقاط، فلا يمنع أن يكون عقوبة، والصلاح في استيفائه أن يكون عند مطالبة الولي كما هو في كثير من الحقوق «الْحُرُّ بِالْحُرّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنُثَى بِالأنثَى» اختلفوا في تأويله، فمنهم من قال: الآية توجب القصاص بين هَؤُلَاءِ فقط، ولولا الدليل لما جاز القصاص بين الرجل والمرأة؛ لأن هذا التفصيل خصص أول الآية، ومنهم من قال: الآية تفيد القصاص بين المذكورين، وما عداه موقوف على الدليل؛ لأن تعليق الحكم بصفة لا يدل على نفي ما عداه، ومنهم من قال: قوله: «كتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ» جملة مستقلة بنفسها، يفهم منها المراد، ثم ذكر هذه الأحكام بعدها لا لقصر الحكم عليها، لكن لفائدة أخرى، واختلفوا في تلك