قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 178}
  الفائدة، فمنهم من قال: بَيَّنَ بها أحكام القصاص فينا خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية على ما روينا من أسباب النزول، وبين أنه لا يقتل بالعبد غير قاتله، ولا بالمرأة غير قاتلها، ومنهم من قال: بَيَّنَ ما كان القصاص فيه جميع الحق، وهو الحر بالحر، فأما الحر والعبد فمع القود يجب التراجع في زيادة الدية، وكذلك الذكر والأنثى على ما رُوِيَ عن الحسن، ورواه الطبري في تفسيره عن علي #، غير أنه ثابت عند أهل النقل عن علي، ولا يصح على النظر؛ لانعقاد الإجماع أن الجماعة تُقْتَلُ بالواحد من غير تراجع؛ فالأولى أن يقال: إنه يتضمن حكم المذكورين، وفائدة التخصيص ما بَيَّنَّا من الأسباب والنهي عن فعل أهل الجاهلية في ذلك.
  «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ» فيه أقوال:
  الأول: من ترك له من جهة أخيه شيء يعني ترك له القتل، ووضي منه بالدية، و «عُفِيَ» كناية عن القاتل، ولم يذكر تعالى العافي لَكِنْ معلوم أن المراد به من له القصاص والمطالبة، وهو ولي الدم، وفي قوله: «مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ» ذكر «له» والهاء في «أخيه» راجعة إلى القاتل تقديره: فمن ترك له من أخي القاتل شيء يعني القود؛ فحصل من هذه الجملة أن العافي هو ولي الدم الذي سماه اللَّه أخا القاتل، ومن توجه العفو إليه فهو المطالب بالدم، وهذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والأصم وأبي علي وأبي القاسم وأبي مسلم. ثم اختلف هَؤُلَاءِ إذا عفا الولي؟
  فقال بعضهم: يثبت المال بتراضيهما، وهو مذهب الأكثر واختيار أبي علي، ومنهم من قال: يثبت بغير تراض، وهذا فرع مسألة، وهو أن موجب العمد ماذا؟ على ما نبينه، واختلفوا في تلك الدية، فقيل: من مال القاتل، عن الأكثر، وعليه إجماع الفقهاء، وقيل: على العاقلة، عن ابن عباس والحسن.
  والقول الثاني: فمن عفا له ولي الدم، والهاء في «أخيه» ترجع إليه، وتقديره: