التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين 7 ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين 8 ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 9 وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون 10 قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون 11}

صفحة 5676 - الجزء 8

  أَحْسَنَ كُلَّ شَيء خَلْقَهُ» قيل: أحكمه وأتقنه، عن ابن عباس. وقيل: كل شيء حسّنه، عن قتادة. وقيل: عَلِمَ كيف يخلق كل شيء مِنْ قَبْل خَلْقِهِ، عن مقاتل. من قولهم: فلانٌ يحسن كذا، أي: يعلم. وقيل: الذي خلق كل ما خلق حسنَّا «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ» يعني: آدم «مِنْ طِينٍ» كان ترابًا ثم صار طينًا ثم صلصالاً ثم حيوانًا «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ» يعني: نسل آدم وهم أولاده «مِنْ سُلاَلَةٍ» قيل: سل من الطين، وقيل: هو من نطفة سميت سلالة؛ لأنها تسل من الإنسان أو تخرج منه، ومنه السلالة، وقيل: هو صفو الماء، عن ابن عباس. «مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ» قيل: ضعيف، عن قتادة. وقيل: حقير مهان، أشار إلى أنه إذا كان من شيء حقير لا قيمة له، وإنما يصير له قيمة بالعلم والعمل «ثُمَّ سَوَّاهُ» أي: جعله جسدًا سويًّا «وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ» قيل: الروح محل الحياة، وقيل: هو الشرط في بقاء الحياة. وقال أبو مسلم: هو الجوهر والعرض الذي معها يحيا الإنسان، وعند عدمه يموت. والصحيح أن الروح جسم؛ لذلك يصح فيه النفخ، وهو النفس الذي يحصل في مخارق الإنسان، فإذا كان في الهواء سمي ريحًا، ثم اختلف مشايخنا، فمنهم من قال: الحياة لا تبقى إلا معه، وإنما تحتاج الحياة إليه لجنسه، وهو قول أبي علي وأبي هاشم. وقيل: لا تحتاج إليه لجنسه، ولكن للعادة كالطعام والماء، عن القاضي، وهو الصحيح. ونَزْعُ الروح: إخراج تلك الأجزاء، ويحتمل أن يكون النزع إخراج محل الحياة، وسمي روحًا، فأما الحياة فهي عرض يحل كل جزء بها يحيا، وتجعل الجملة كالشيء الواحد، وتحتاج إلى يبوسة ورطوبة.

  فإن قيل: لم أضاف الروح إلى نفسه؟

  فجوابنا: لأنه خلقه واختص بالقدرة عليه، وقيل: لأنه من الأشياء السببية، وأضافه إلى نفسه تفخيمًا لشأنه كالمساجد والعرش ونحوهما.

  «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبصَارَ وَالأَفْئِدَةَ» أي: خلق هذه الحواس لتدرك المدركات وتسمع بالسمع وترى بالبصر وتعلم بالقلب «قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ» أي: مع هذه النعم قَلَّ شكركم يا بني آدم، وقيل: قليل من عباده من يقوم بشكر نعمه «وَقَالُوا» يعني: منكري البعث «أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ» أي: غبنا وصرنا ترابًا، وقيل: هلكنا، عن قتادة، ومجاهد. «أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» يعني: نحيا بعد أن نموت، ومعناه: إذا ضللنا في