قوله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين 7 ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين 8 ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 9 وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون 10 قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون 11}
  التراب بحيث لا نتميز من التراب كيف نبعث؟ فهو استفهام، والمراد الإنكار، ولم يعلموا أن الله تعالى عالم بتلك الأجزاء وتفاصيلها قادر على جمعها والأعراض التي بها يصير حيَّا سويًّا، فيحلها في تلك الأجزاء فيعود حيًا كما قال الله تعالى. «بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبّهِمْ كَافِرُونَ» يعني: لم يقولوا ذلك لحجة وشبهة؛ بل لكفرهم بلقاء ما وعد الله من ثوابه وعقابه، وقيل: بأنهم كفروا بهذا القول، عن أبي علي. فذكر لقاءه، والمراد: لقاء جزائه، كقوله: {ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}[الصافات: ٩٩] يعني: إلى حيث أمرني ربي «قُلْ» يا محمد لهم: «يَتَوَفَّاكُمْ» قيل: يقبض أرواحكم؛ لأن التوفي هو قبض الشيء بتمامه، وقيل: يقبض محل أرواحكم، وقيل: يقبض واحدًا بعد واحد حتى لا يبقى واحد «مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» أي: بقبض أرواحكم، فأما الموت فلا يقدر عليه غير الله تعالى «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» أي: إلى حكمه وجزائه تصيرون، يعني: بعد الموت.
  · الأحكام: يدل قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أن الكفر والكذب ليس من خلقه، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.
  وتدل الآية على أنه خلق آدم من طين، وأجرى العادة بخلق نسله من ماء، وهو النطفة، ووصفه بالسلالة؛ لأنه يسيل من أصلاب الرجال، ثم بَيَّنَ كيف نقل من حال إلى حال حتى صيره بشرًا سويًّا، وكل ذلك يدل على كمال قدرته وتمام نعمته.
  وتدل أن القائم بالحق قليل، فيبطل قول من يغتر في تقليدهم للأكثر.
  وتدل أن ملك الموت يقبض الأرواح، وقد روي أن ملائكة الرحمة يقبضون أرواح المؤمنين، وملائكة العذاب يقبضون أرواح الكافرين. واختلفوا، فقيل: ملك الموت واحد، وجعلت الدنيا بين يديه مثل جَامٍ يأخذ منها ما شاء، إذا قضى عليه الموت من غير عناء، عن ابن عباس. قال مجاهد: جعلت الأرض له مثل طَسْتٍ يتناول ما شاء. وقال ابن عباس: خطوة ملك الموت ما بين المشرق [والمغرب]،