التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 178}

صفحة 736 - الجزء 1

  فمن أُعِطْيَ له يعني الولي الدية بالرضاء لما عفا، وبذل له وضمن له «من أخيه» يعني أخا الولي، وهو المقتول فليتبعه بالمعروف، ويكون العافي معطي المال، عن علي بن موسى القمي، وذكره إسماعيل بن إسحاق عن مالك.

  الثالث: فمن عفا له ولي الدم بأن دفع إليه بقية ما يجب مع القود، عن السدي.

  وهذا إنما يصح على ما روي عن علي # والحسن من التراجع مع القصاص بين الرجل والمرأة، والحر والعبد، وقد بَيَّنَّا أن ذلك لا يصح، فعلى هذين العفو بمعنى الإعطاء.

  ومتى قيل: أي الأقوال أولى؟

  قلنا: قال القاضي: الأول؛ لأن الظاهر من العفو هو السقوط والترك، وهو ترك القود، ولأن أكثر المفسرين عليه.

  ومتى قيل: كيف قال: «مِنْ أَخِيهِ» والقود لا يتبعض، وما الفائدة فيه؟

  قلنا: أما «مِنْ أَخِيهِ» فسنبين معناه، فأما الفائدة فقيل: فيه فائدتان أحدهما: أن حقه يتبعض؛ لأن حقه العفو والدية والقود.

  والثانية: أنه بين أن عفو البعض كعفو الكل «مِنْ أَخِيهِ» قيل: (من) للتبعيض، والمعنى من بعض حقه الواجب بسبب أخيه، وقيل: هو لابتداء الغاية كأنه قيل: فمن ترك له من جهة أخيه الذي هو الولي.

  ومتى قيل: كيف سمي القاتل أخا الولي وهو فاسق؟

  قلنا: فيه ثلاثة أوجه:

  الأول: أراد به الأخوة في النسب كقوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}.

  والثاني: لأن القاتل قد يتوب، فيدخل فيه غير التائب على التغليب.