قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما 22 من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما 24 ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا 25}
  وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» قيل: وَعَدَهُمْ عند لقاء المشركين الظفر بهم وظهور دينهم، وقيل: الذي وعدهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ}[البقرة: ٢١٤]، وقيل: كان رسول الله ÷ يخبرهم بمجيء الأحزاب، وأنه يظفر بهم، ويملك فارس والروم ويظهر دينه، فلما جاءت الأحزاب قالوا: صدق الله ورسوله هذا ما وعد، وزادهم ذلك بصيرة في الدين وثباتًا في الحرب لما رأوا من معجزات رسول الله ÷ بهذا الخبر، عن أبي علي. وقيل: هذا ما وعد الله هو، قوله: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ}[الفتح: ١٦] عن أبي مسلم. وليس بصحيح؛ لأن هذه الآية نزلت بعد الخندق بزمان. «وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا» بِاللَّهِ ورسوله «وَتَسْلِيمًا» للنفس وثباتًا في الحرب {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} يعني: وفوا بما عاهدوا، وقيل: نذرهم إذا لقوا العدو لا يولون الأدبار، وقيل: عهدهم ليلة العقبة «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» قيل: قضى عهده ونذره، عن مجاهد. يعني: صبروا على الجهاد حتى قتلوا، وقيل: «قَضَى نَحْبَهُ» أي: مات على ما عاهد، عن الحسن. بذل جهده في الوفاء بعهده.
  ومتى قيل: كيف يدخل قتل الكفار إياهم في العهد مع قبحه؟
  قلنا: القتل لا يدخل في العهد، وإنما يدخل الثبات في الحرب والصبر على الشدائد.
  «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» قيل: ينتظر ما أصاب إخوانهم من الشهادة وثوابها؛ لصبرهم في القتال، ولا ينتظر القتل، لأنه قبيح، وقيل: ينتظر حربًا آخر؛ لأن قومًا من أصحاب الثبات تخلفوا عن بدر فعاهدوا الله إن لقوا حربًا لا يولون الأدبار، ولما كان حرب أُحُدٍ جاهدوا حتى استشهدوا، وقيل: منهم من ينتظر الأجل المكتوب أو الشهادة.
  ومتى قيل: لم خص بعض المؤمنين بهذه الصفة؟
  قلنا: لأن منهم من رخص له في التخلف، ومنهم من لم يبلغ هذا المبلغ، ومنهم من لم يكن له عهد.
  ومتى قيل: كيف المراد بقوله: «يَنْتَظِرُ» ولم يَفِ بالعهد؟