التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 178}

صفحة 739 - الجزء 1

  واختلفوا في الكفارة، فقال أهل العراق: لا كفارة فيه، وقال الشافعي. يجب به الكفارة، واتفقوا أنه يتعلق به حرمان الميراث.

  فأما أحكام الخطأ فتجيء من بعد، وتدل على وجوب المساواة؛ لأن لفظة القصاص تنبئ عن ذلك، ثم اختلفوا فقيل: المراد بالمثل تناول النفس حتى لو قطع يده ثم قتله أو مات بقتل السيف، وكذلك لو فعل فعلاً أدى إلى التلف، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي: يفعل به مثل ما فعل، واختلف - هَؤُلَاءِ إذا لم يمت، فقيل: يكرر عليه ذلك الفعل، وقيل: بل يقتل بالسيف.

  وقيل: كيف تتعلق به هذه الحقوق؟

  قلنا: المأثم حق اللَّه تعالى لا يسقط إلا بالتوبة، والعوض حق المقتول لا بد أن يصل إليه؛ لأنه بالقصاص لم يصل إليه شيء إنما هو حق اللَّه، أو حق الولي عقوبة أو مصلحة، والقود وإن كان حقًّا لله تعالى فالاستيفاء والإسقاط إلى الولي، فأما الدية فخالص حق الولي، وهو في حكم تركة الميت، ولذلك تنفذ منه وصاياه، ويقسم بين ورثته.

  ويقال: حسن القود يعلم عقلاً أو شرعًا؟

  قلنا: شرعًا؛ لأنه يجب لغير المقتول، فورد به الشرع لما فيه من المصلحة.

  ويقال: إذا كان عقوبة فكيف يكون مصلحة، والمصلحة في وجوبه أو فعله؟

  قلنا: بينا أنه قد يكون عقوبة ومصلحة أيضًا، وتقديم بعض العقوبة لا يجوز إلا لوجه من المصلحة، فأما وجوبه فمصلحة على الإطلاق، فأما فعله فعلى ما قدمنا.

  ويقال: هل فرق بين القصاص والعقوبات المحضة؟

  قلنا: نعم؛ لأنه يعتبر المماثلة، ولا يسقط بالتوبة، ولا يستوفى على وجه الاستحقاق.