التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا 49 ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما 50}

صفحة 5751 - الجزء 8

  دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» أي: لا يجوز لهم ذلك «قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيهِمْ» على المؤمنين «فِي أَزْوَاجِهِمْ» قيل: أراد العدد، فإذا تزوج أربعًا لا يتجاوزها، عن مجاهد. وقيل: هو أن لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، عن قتادة. وقيل: المهر والعدد، عن أبي علي. «وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ» يعني: الإماء «لِكَيلاَ يَكُونَ عَلَيكَ حَرَجٌ» ضيق وإثم، يعني: بَيَّنَّا تحليل النكاح والإماء ليرتفع الحرج، وقيل: هو ما أباح من نكاح أربع وما يشاء من السراري، عن أبي مسلم. وقيل: هو يرجع إلى قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}، «لِكَيلاَ يَكُونَ عَلَيكَ حَرَجٌ»، وقيل: يتصل بما قبله أي: علمنا ما أبحنا للمؤمنين وبما خصصناك به ليروح الحرج عنك، فلا يظن ظان أن شيئًا من ذلك كان سهوًا وغفلة «وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا» لذنوب التائبين «رَحِيمًا» بعباده يبين لهم التحليل والتحريم.

  · الأحكام: في هذه الآيات أحكام شرعية:

  أما قوله: {إِذَا نَكَحْتُمُ} الآية، فيدل على أشياء:

  منها: أن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها، وأنها تحل للأزواج؛ لأن المانع بعد الطلاق العدة.

  ومنها: أن المطلقة بعد المسيس عليها العدة؛ إذ لو لم يلزم لم يكن لهذا الشرط فائدة.

  ومنها: أن التخصيص للنبي ÷ بالذكر لا يدل على نفي ما عداه؛ لأنه تعالى ذكر المؤمنة ثم الكتابية مثلها.

  ومنها: أن الطلاق إلى الزوج؛ لذلك أضاف إليه من غير اعتبار من جهتها.

  وتدل على أن العدة حق له وإن كان مشوبًا بحق الله تعالى، فحق الله أنه تَعَبَّدَهَا به، وحق الزوج صيانة مائه وحفظ النسب، وإذا كانت محبوسة بحقه يجب عليه النفقة والسكنى، واستدل أصحاب الشافعي بالآية أن الخلوة لا توجب العدة، وليس بصحيح؛ لأن ظاهر الآية أنه إذا خلا بها ومسها ولم يجامعها تجب العدة، وعندهم لا تجب.