التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 56 إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا 57 والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا 58 ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما 59 لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا 60}

صفحة 5765 - الجزء 8

  · المعنى: ثم أمر تعالى بترك إيذاء النبي ÷ والمؤمنين تعظيمًا له وتفخيمًا لشأنه عطفًا على ما تقدم من الأمر بإعظامه، فقال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» قيل:

  يثنون عليه بأحسن الثناء ويعظمونه بالوصف الجميل، وقيل: الله يوجب الرحمة والتعظيم، والملائكة يدعون له بذلك، وقيل: يُبَرّكُون، عن ابن عباس. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ» ادعوا الله بالتعظيم «وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» حيوا تحية الإسلام. وقيل لرسول الله ÷: كيف الصلاة عليك يا نبي الله؟ فقال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم»، عن ابن عباس. وعن ابن مسعود: إذا صليتم على النبي فأحسنوا الصلاة، فلعل ذلك يعرض عليه، قيل: له عَلِّمْنَا ذلك، فقال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ» قيل: يؤذون أولياءه، فأضافه إلى نفسه تفخيمًا، عن أبي علي. وليس بالأوجه؛ لأنه ذكر المؤمنين بعدها، وقيل: أضاف الأذى إلى نفسه تعظيمًا لأذى الرسول ÷، عن أبي مسلم. وقيل: يؤذونه بمعصيتهم ومخالفتهم، عن قتادة. والمعنى أنهم يَحِلُّون مَحِلَّ مَنْ يؤذي؛ لكثرة مخالفتهم وإن كان الأذى لا يجوز عليه، ولكن لما كره فعلهم حل محل الإيذاء، ولو جاز عليه الإيذاء لكان يؤذيه، فإذا وصفه المشبهة والْمُجْبِرَة وغيرهم بما لا يليق عليه من عبده من قول أو فعل فهو يؤذيه، فإذا وصفه وخالفوا أمره وردوا رسوله كان كأنهم آذوه تشبيهًا وتمثيلاً، وهذا الوجه أحسن؛ ما قيل فيه، وقيل: هم المصورون الَّذِينَ يصنعون التصاوير، عن عكرمة؛ وليس بالأوجه. وقيل: هم اليهود والنصارى والمشركون وصفوا الله بما لا يليق به، عن ابن عباس؛ وهو الأوجه، ويدخل فيه كل كافر ومبتدع. وقيل: يلحدون في أسمائه وصفاته، وهذا يقرب مما تقدم. «وَرَسُولَهُ» قيل: حين شُجَّ وجهه، وكسرت رباعيته، وقيل له: ساحر، وشاعر، ومعلم، ومجنون، عن ابن عباس. وقيل: نزلت في الَّذِينَ