قوله تعالى: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير 1 يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور 2 وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 3 ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم 4 والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم 5}
  · الإعراب: {الْحَمْدُ} رفع على الابتداء، ثم قال: (بلى) ولم يقل: (نعم)؛ لأن كل موضع يقع فيه النفي فإن جوابه: بلى، تقول: ألا تذهب؟ فتجاب بلى، وتقول:
  أتذهب؟ فتجاب نعم؛ لأن هذا استفهام، ليس بنفي.
  · النظم: يقال: كيف يتصل قوله: {عَالِمِ الْغَيْبِ} بإنكارهم الساعة؟
  قلنا: من يعلم أفعال العباد وما استحقوه من الجزاء وكلفهم ومكنهم، لا بد أن يجازي في دار الجزاء، وقيل: هو يعلم وقت الساعة، وقيل: يعود إلى قوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} اعتراض بين الكلامين بما ذكر، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ} يعني: إنكارهم ذلك ورد عليهم.
  · المعنى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» أي: قولوا: الحمد لله، وهو وصفه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وشكره على نعمه في الدين والدنيا «الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [وَمَا فِي] الْأَرْضِ» ملكًا وخلقًا «وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ» قيل: هو المحمود على أفعاله، المستحق للحمد في الدارين؛ لكونه منعمًا، فهما وقتان يحمده أهل الدنيا تعبدًا وأهل الآخرة تلذذًا؛ لأنها السبب بدار التكليف، وقيل: إنه المستحق للحمد في الدنيا بما أنعم، فَمَنْ حمده نال الثواب، ومن لم يحمده نال العقاب، ثم في الآخرة الجميع مضطرون إلى حمده، والاعتراف بربوبيته، عن أبي مسلم. وقيل: الحمد إضافة النعم إلى المنعم مع التعظيم له، وهذا يحصل في الدارين لله تعالى.
  ومتى قيل: كيف يحمد في الآخرة؟
  قلنا: أهل الجنة على نعمه وفضله، وأهل النار على عدله، وإنما خص الآخرة بالذكر؛ لأن نعمه فيها أعظم لدوامها وخلوصها من الشوائب.