قوله تعالى: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير 1 يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور 2 وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 3 ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم 4 والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم 5}
  «وَهُوَ الْحَكِيمُ» في أفعاله لا يفعل إلا الحسن، العليم بمصالح الخلق وبجميع الأشياء «يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ» أي: يغيب فيها من المياه والأمطار والحبوب والأموات، «وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا» من النبات والأشجار والمعادن وأصناف الحيوانات والحشرات، لا يعلمها إلا هو «وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ» من الأمطار وقدرها «وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا» أي: يصعد من الملائكة وأعمال العبادات والبخارات والرياح، ثم مع قدرته وملكه رحيم بعباده، يتفضل عليهم بنعمه، ويثيبهم على طاعته، غفور لذنوبهم إذا تابوا. وقيل: هو رحيم ينعم عليهم، فإذا حمدوه زادهم نعمة، غفور لمن لم يحمده، ثم تاب. وقيل: رحيم بهم يمهلهم، وينعم عليهم مع علمه بهم، ويغفر لهم جميع ذنوبهم إذا تابوا «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ» أي: لا تكون القيامة والبعث «قُلْ» يا محمد: «بَلَى» تأتيهم الساعة «وَرَبّي» أخبر به وأكده باليمين، ثم عاد إلى تمجيده، فقال سبحانه: «عَالِمِ الْغَيبِ» يعني: يعلم كل ما يغيب، لا تخفى عليه خافية؛ لأنه عالم لذاته، فلا يختص بمعلوم دون معلوم «لَا يَعْزُبُ عَنْهُ» أي: لا يغيب عن علمه «مِثْقَالُ ذَرَّةٍ» أي: مقدار ذرة، وهذا مَثَلٌ، وإلا فهو عالم بما هو أقل من ذَرة، وهي النملة «فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» قيل: إلا هو محفوظ عنده، فعبّر عن العلم والحفظ بالكتاب؛ لأنه مما يحفظ به، وقيل: «في كتاب» أي: في اللوح المحفوظ «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» أي: ليكافئ من آمن وعمل صالحًا بما يستحقه من الثواب على أعماله «أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» أي: هنيء لا يكدره شيء، قيل: هو الجنة، عن قتادة. «وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا» أي: وليجزي الَّذِينَ سعوا في حججنا أي: عملوا في إبطالها وهو الكتاب وسائر المعجزات وسعيهم ردها بالتكذيب، وقيل: سعيهم دعاؤهم إلى الكفر ومنع الناس عن قبول الإسلام «مُعَاجِزِينَ» قيل: مسابقين، أي: يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتوننا، وقيل: معاجزين نبينا، وقيل: مجاهدين، عن ابن زيد. «أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» أي: من شر العذاب، عن قتادة. وقيل: هي الأمور الكريهة التي تقارب العقاب، وقيل: نوع من العذاب.