التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد 6 وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد 7 أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد 8 أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب 9}

صفحة 5783 - الجزء 8

  {كِسَفًا} تقرأ ساكنة السين وبفتحها، فالأول: واحد، والثاني: على الجمع.

  · المعنى.

  ثم عقب بذكر المؤمنين واعترافهم بِمَا جَحَدَهُ مَنْ تَقدَّمَ ذِكْرُهُ، فقال سبحانه: «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» أي: أُعطوا، وإعطاء العلم بوجهين: أحدهما: بوضعه في نفسه، والثاني: بالتسبيب إليه بالتمكين واللطف ووضع الأدلة، فجميع العلوم تضاف إلى الله تعالى على هذه الوجوه.

  واختلفوا مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فقيل: أصحاب محمد، عن قتادة. وقيل: مَنْ آمن مِنْ علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وقيل: كل من أوتي العلم إلى يوم القيامة، وقيل: هم علماء أهل التوحيد والعدل؛ لأنهم يعلمون في الحقيقة أن ما أنزل عليه حق، ومعجزة لوجوه:

  منها: أنهم لا يجوزون فعل القبيح عليه، وإظهار المعجز على يدي كذاب لا يجوز لقبحه، فكل من ظهر ذلك عليه يعلمون أنه الحق.

  ومنها: أنهم لا يجوزون ظهور المعجز على غير نبي.

  ومنها: أن عندهم أنه تعالى لا يُضِلُّ عن الدين، فلا بد أن ما أنزل يكون حقًا، وعند مخالفيهم أن جميع ذلك جائز عليه، فمن أين أن ما أنزل حق، ولعله أنزل ليضل، أو أظهره على كذاب.

  «الَّذِي أُنزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ» يعني: القرآن «هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي» ويعلمون أنه حق ويعلمون أنه يهدي «إِلَى صِرَاطِ» أي: طريق «الْعَزِيزِ» القادر و «االْحَمِيدِ» المحمود، والصراط قيل: هو دينه الحق وهو الإسلام، وقيل: إلى ثوابه وجنته.

  ثم عاد الكلام إلى الحكاية إلى الكفار، فقال سبحانه: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» القادة للأتباع معجبين منه «هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ» يعنون محمدًا ÷ «يُنَبِّئُكُمْ» يخبركم «إِذَا مُزِّقْتُمْ» أي: بليتم وتفرق أجزاؤكم وتقطعت أوصالكم وصرتم ترابًا «كُلَّ مُمَزَّقٍ» تفريقًا عظيمًا «إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» أي: تعودون أحياء كما كنتم، والجديد: المستأنف المعاد «أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» قيل: هو من كلام المتبوعين أيضًا قالوا