التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا داوود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد 10 أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير 11 ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12 يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور 13 فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14}

صفحة 5788 - الجزء 8

  و {شُكْرًا} نصب بـ {اعْمَلُوا}، وقيل: تقديره: اعملوا الشكر، وقيل:

  تقديره: اشكروا اللهَ شكرًا.

  و {آلَ} نصب بالنداء المضاف، و {دَاوُودَ} مضاف إليه إلا أنه لا ينصرف.

  {أَنْ لَوْ} محله قيل: رفع تقديره: فلما ظهر خَرَّ ظهر أن لو كانوا، وقيل:

  نصب، أي: علمت الجن أن لو.

  {مَحَارِيبَ} مفاعيل فلا ينصرف، وكذلك (تماثيل).

  · المعنى: لما تقدم ذكر المؤمنين الأوابين اتصل به حديث داود وسليمان، فقال سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا) أي: أعطيناه فضلاً، والمراد: أنا فضلناه على غيره بما أعطيناه من النبوة والكتاب وفصل الخطاب والمعجزات، ثم فصل ما أعطاه، فقال تعالى: «يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ» قيل: معناه: سخرنا الجبال له وسهلناها، فلا يستصعب عليه ما يريده منها من قطع وغيره، وهذا هو الأوجه؛ لأنه ليس بحي مخاطب إلا أن يقال بجعله حيًّا عاقلاً، فحينئذ يخرج [عن] كونه جبلاً، ويجوز أن يقال: يبقى جبلاً، ويبني فيه بنية الحياة، فيقرب مع تعسف فيه. وقيل: قلنا: يا جبال، وهذا يحمل على ما قلناه. وقيل: «أَوِّبِي» سبحي معه إذا سبح، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، والسلمي، والضحاك، وأبي عبيدة. أي: ارجعي معه بالتسبيح، قال أبو ميسرة: هو بلسان الحبشة. وهذا لا يصح؛ لأن القرآن عربي، وكيف يقال ذلك وله في كلام العرب أصل، واشتقاق، وتصرف؟ يقال: تَأَوَّبَ يَتَأَوَّبُ تَأَوُّبًا، وأصله: الأَوْبُ والإياب. وقيل: «أَوِّبِي مَعَهُ» أي: سيري معه حيث شاء، عن أبي علي. والتأويب: السير بالنهار، وقيل: ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر أو استنباط أو إخراج معدن أو جعل طريق. وقيل: نوحي معه، عن وهب. وقيل: كان إذا قرأ الزبور بصوت حزين سبحت الجبال والطير تعظيمًا لقراءته أو زيادة في تحسين النغمة.

  وقيل: كان إذا سبح تجاوبه بالتسبيح.