التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا داوود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد 10 أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير 11 ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12 يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور 13 فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14}

صفحة 5789 - الجزء 8

  ومتى قيل: هل يصح ذلك؟

  قلنا: يجوز على وجهين:

  أحدهما: أن يخلق فيه تعالى معجزة لداود، فأضاف إليه؛ لأنه محله توسعًا.

  والثاني: أن يجعل بعضها حَيًّا فتسبح.

  فأما الطير فيجوز أن يجعل له من التمييز كالصبيان المراهقين فتقرأ.

  «وَالطَّيرَ» أي: سخرنا له الطير، وكان يسير معه، فيحتمل أنه زاد في فطنته، فكان يعرف أمره ونهيه كالصبي المراهق، وأمره بالسير يحتمل أن الملَك سيره، ويحتمل أن الله تعالى خلق ذلك فيها معجزة له «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» فصار في يده كالشمع يعمل منه الدروع، عن أكثر المفسرين. وقيل: أعطاه من القدرة مقدار ما صار الحديد في يده كالشمع لا أنه تغير عن حاله، عن أبي علي. قال أبو علي: ويجوز أن يكون لسخونة يده يلين الحديد «أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ» أي: دروعًا تامات، وهذا يحتمل الأمر والإباحة والإذن.

  ومتى قيل: لماذا ألانَ الحديدَ له؟

  قلنا: قيل: معجزة له، وعلى الوجهين اللذين ذكرنا المعجزة ثابتة، وقيل: أحب أن يأكل من كسب يده، فألانَ اللهُ له الحديدَ، وعلمه صنعة الدروع، فكان أول من اتخذها، فكان يبيعها ويأكل منها وءلطعم عياله ويتصدق، وقيل: يبيع الواحد بأربعة آلاف فى وهم.

  «وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ» قيل: قدّر في نظم الحِلَقِ، والسرد: حلق الدروع، عن ابن عباس، وابن زيد. ومتى لم يكن مقدرًا يكون واسعًا، فلا يمنع السهم من النفوذ، وقيل: السرد: المسامير التي في حلق الدروع، عن قتادة. وقيل: السابغات الدروع، «وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ» والسرد: الإرسال، أي: قدر في سرد السابغات، والمعنى فلتستعملها على قدر، عن أبي مسلم. وقيل: اعمل المسمار على قدر الحلقة كيلا يذوب، فيعلق أو يغلظ، فينكسر، وقيل: الأول أصح؛ لأن الحديد كان في يده كالشمع، فلم تحتج الحلقة إلى المسمار. «وَاعْمَلُوا صَالِحًا» أي: قلنا لهم: اعملوا