قوله تعالى: {ولقد آتينا داوود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد 10 أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير 11 ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12 يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور 13 فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14}
  وروي أنهم صوروا له تحت كرسيه أسدين، وفوق كرسيه نَسْرَيْنِ، فإذا أراد الصعود يبسط الأسدان ذراعيهما، وإذا علا الكرسي بسط النسران جناحهما، فكان ذلك معجزة له، حكاه أبو علي. وحكي أنه لما حاول [بختنصر] صعود الكرسي ضرب الأسد ساقه وخر مغشيًا عليه، وما صعد بعده أحد.
  «وَجِفَانٍ» هي القصاع الكبار التي يؤكل فيها «كَالْجَوَابِ» قيل: كالحياض، عن ابن عباس وغيره. شبهه بهما لعظمها، قال الحسن: كحياض الإبل، وقيل: كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه «وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ» قيل: ثابتات لا تُحْمَلُ عن أماكنها، وكان باليمن، وقيل: كانت عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم، وكان سليمان يطعم جنده «اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا» أي: اشكروه على هذه النعم، وقيل: اعملوا بطاعته شكرًا له، عن مجاهد. «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» قيل: الشكر: تقوى الله والعمل بطاعته، وقيل: المؤمن الذي يشكر الله قليل، وقيل: لمشقة الشكر يَقِلُّالشاكرون «فَلَمَّا قَضَينَا» أوجبنا «عَلَيهِ» على سليمان «الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ» أي: ما دل الجن «عَلَى مَوْتِهِ» على موت سليمان، أي: يعلموه، وقيل: قضينا: أتممناه، وقضاء الشيء: إتمامه والفراغ منه، عن أبي مسلم. «إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ» يعني: الأرضة «تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ» أي: عصاه، وروي أن سليمان كان يبني المسجد ببيت المقدس، وربما يدخله سنة يلبث فيه أو أكثر أو أقل، ويدخل عليه طعامه ويتعبد فيه، فلما كان في المدة التي مات لم يكن يصبح يومًا إلا وتنبت شجرة يسألها سليمان فتخبره عن اسمها ونفعها وضرها، فنبت يومًا نبت فقال: ما اسمك؟ قال: الخرنوب، قال: لأي شيء؟ قال: للخراب، فعلم أنه سيموت، فقال: اللهم عَمِّ على الجن موتي؛ ليعلم الإنس أنهم لا يعلمون علم الغيب، وكان بقي من بنائه سنة، وقال لأهله: لا تخبروا الجن بموتي حتى تفرغوا مِنْ بنائه، ودخل محرابه، وقام متكئًا على عصاه فمات، وبقي قائمًا سنة حتى تم البناء، ثم سلط الله الأرضة على منسأته فخر، فعرفت الجن موته، وكانوا يحسبونه حيًّا؛ لكثرة ما شاهدوا من طول قيامه قبل ذلك.