التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17 وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين 18 فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 19}

صفحة 5796 - الجزء 8

  {ذَلِكَ} منصوب بالجزاء، تقديره: جزيناهم ذلك.

  · المعنى: ثم ذكر ما أنعم على سبأ وما كفروا بنعمه، وما آل إليه حالهم، فقال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ» قيل: أرض باليمن، عن الحسن. وقيل: بلدة باليمن، وقيل: حي باليمن، وقيل: أبو عرب اليمن، وقد سمي به القبيلة، وروي مرفوعًا أنه كان رجلاً من العرب، وله عشرة من الولد فَتَيَامَنَ منهم ستة وتشاءم. أربعة، فأما الَّذِينَ تيامنوا: فكندة، والأشعريون، والأزد، ومذحج، وأنمار، وحِمير، فقال رجل: مَنْ أنمار؟ فقال: الَّذِينَ منهم خثعم وبجيلة، وأما الَّذِينَ تشاءموا: فعاملة، وجذام، ولخم، وغسان. «فِي مَسَاكِنِهِمْ» أي: في مواضع سكناهم وهو بلدهم «آيَةٌ» أي: حجة على وحدانيته وقدرته وعلامة على سبوغ نعمه، ثم فسر الآية، فقال سبحانه: «جَنَّتَانِ» بستانان «عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ» من أتاها، وقيل: عن يمين البلد وشماله، وقيل: كان من كثرة النعم تخرج المرأة على رأسها المكتل فترجع وقد امتلأ المكتل، ما تناولت شيئًا بيدها لكثرة ما يتساقط «كُلُوا» أي: قلنا: كلوا، وهو إباحة. وقيل: قال لهم نبيهم: كلوا واشربوا، وقيل: كأن ثلاث عشرة قرية، في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله، ويقولون لهم: كلوا مما رزقكم اللَّه، واشكروه يزدكم نعمة، واستغفروه يغفر لكم، قالوا: ما نعرف لله علينا نعمة، فقولوا لربكم: إن كان ذلك منه أن يحبس عنا إن استطاع، عن وهب. «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ» أي: هذه بلدة طيبة هواها وماؤها وثمارها ونعيمها، وقيل: ليست بسبخة، قال ابن زيد: لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا حية ولا عقرب، وإذا دخل الركب عليهم، وفي ثيابهم قمل تموت «وَرَبٌّ غَفُورٌ» أي: إن آمنتم غفر لكم «فَأَعْرَضُوا» عن الرسول وأَمْرِ الله وكفروا نعمه «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ» السيل: الماء الجاري الكثير الَّذِين لا يضبط لعظمه وكثرته، واختلفوا في العرم، قيل: هو المسناة، وهو سد لهم كان يحبس الماء، ويسقي جنتهم وزرعهم، وكانت بَنَتْهُ بلقيس، عن ابن عباس، ووهب، وأبي علي.