التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17 وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين 18 فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 19}

صفحة 5797 - الجزء 8

  فلما أراد الله هلاكهم وقعت الفأرة في السد، فأفسدته، وفاض الماء عليهم فأغرقهم، عن وهب. وقيل: الْعَرِم: المطر الشديد، وقيل: هو اسم وادٍ، وقيل: هو اسم للجُرَذِ الذي نقب السدَّ، وقيل: الْعَرِم: صفة السيل، يعني: سيلاً شديدًا، فأضاف الشيء إلى صفته، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، قال تعالى: {وَمَكْرَ السَّيِّئِ}⁣[فاطر: ٤٣] عن أبي مسلم. وقيل: العَرِمُ: سد كان يمنع السيل عنهم «وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ» أراد تبديل ما في الجنتين وصفتهما الثانية ليست بجنة، ولكن سماه جنة توسعًا «ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ» قيل: كل شجر له ثمرة فهو خمط، عن الزجاج. و «أُكُلٍ» أي: ثمر، وقيل: الخمط: كل شجر ذي شوك، عن أبي عبيدة. وقيل: الخمط: الأراك، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك. وأُكُلُهُ: ثمره، وقيل: شجرة العِضَاةِ «وَأَثلٍ» قيل: هو الطَّرْفاء، عن ابن عباس. وقيل: يشبه الطَّرْفاء إلا أنه أعظم منه. وقيل: الأثل:

  الخشب، عن الحسن. وقيل: ضرب من الخشب، عن قتادة. وقيل: شجر لا ثمر له يؤكل، عن أبي مسلم. وقيل: هو السمر «وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ» قيل: هو شجر النبق من أشجار الوادي لا ينتفع بها، قال قتادة: كان شجرهم خير شجر فصيره الله شر شجر؛ لسوء أعمالهم، وقال الكلبي: كانوا يستظلون الشجر، ويأكلون الثمر، ولا يجيبون الرسل، فبدلهم الله «ذَلِكَ» قيل: ذلك ما فعله بهم جزاء لهم بما كفروا، «وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ» قيل: نعاقب، ومعناه: هل نعاقب بمثل هذا العقاب إلا الكفار، يعني: تعجيل العقاب أو عذاب الاستئصال، عن الحسن، وأبي علي؛ لأنه تعالى يجازي كل أحد، فلا بد من حمله على تأويل، وقيل: يجازي بإزالة النعمة، وقيل: المجازاة: من التجازي، وهو التقاضي، والمتجازي: المتقاضي، أي: لما كفروا النعمة اقتضوا ما أعطوا، أي: ارتجع منهم، وهل يقتضي ما أعطى ويرتجع إلا الكافر، عن أبي مسلم. «وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ وَبَينَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا» قيل: هو الشام، عن مجاهد، وقتادة. وقيل: بيت المقدس، عن ابن عباس. «قُرًى ظَاهِرَةً» أي: متواصلة، عن قتادة. وذلك أنه تظهر الثانية من الأولى لقربها منها، وقال الحسن: كان أحدهم يغدو فَيَقِيلُ في قرية، ويروح فيأوي في قرية أخرى، وقيل: كان بين اليمن