التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين 20 وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ 21 قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير 22 ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير 23 قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين 24 قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون 25}

صفحة 5803 - الجزء 8

  المشركين قالت الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، عن الحسن. وفي كلا الوجهين اعترافهم لا ينفع لهم. والفزع الذي كشف عن قلوبهم: قيل: توهمهم أن الساعة قد قامت، وقيل: إذا سمعوا النفخة صعقوا، فإذا فزع كشف ذلك الفزع قالوا، ومنهم من قال: المضمرون الملائكة، لأن قوله: {إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ترجع الكناية إليهم، واختلف هَؤُلَاءِ في معنى الآية، فقيل: إذا أوحى الله إلى بعض ملائكته يلحقهم غشي عند سماع الوحي، ويصعقون، ويخرون سجدًا للآية العظيمة، فإذا فزع عن قلوبهم سأل بعضهم بعضًا، فيعلمون أن الأمر في غيرهم، عن ابن مسعود، ومسروق، وأبي علي. وقيل: سمعوا الوحي ويجدون للموت صلصلة عظيمة، فيظنون قيام الساعة أو نزول أمر عظيم، فيفزعون، فإذا كشف سأل بعضهم بعضًا، وقيل: يقولون لجبريل: ماذا قال ربكم؟ فيقول: قال الحق، وقيل: هذا إنما يكون إذا صعدوا بأعمال العباد؛ لأنهم يكتبون أعمالهم، ثم يصعدون، ولهم زَجَلٌ وصوت عظيم، فتحسب الملائكة أنها الساعة، فيخرون سجدًا، ويصعقون، فإذا علموا أنه ليس كذلك قالوا: ماذا قال الحق؟ عن الضحاك. وقيل: لما بعث النبي ÷ أوحى الله إلى جبريل بصوت عظيم سمعه الملائكة، فصعقوا أو ظنوه الساعة، فإذا كشف عنهم ربك الفزع سألوا جبريل، فقال: إن محمدًا بعث، عن الكلبي. قال: وعندهم أن محمدًا من أشراط الساعة، فإذا بعث فزعوا لا يشكون أنها الساعة، وكان بين عيسى ومحمد - صلى الله عليهما وسلم - فترة عظيمة لم تبعث فيه الرسل، وقيل: أهل السماوات إذا سمعوا الأمر والنهي خروا سجدًا خوفًا، فأول من يرفع رأسه جبريل، فيأمره الله تعالى بما يسأله أهل السماوات، فيخبرهم فيقول: قال الحق، والأول أقرب. ومنهم من قال: الفزع الدعاء، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} أي: لو تراهم إذا دعوا كيف يجيبون، والداعي فزوع، والمجيب فزع، فيحمل الجواب والابتداء على لفظ واحد، قال الشاعر يخاطب جاريته بإلجام فرسه ليجيب صارخًا:

  وَقُلتُ لِكَأْسٍ أَلجِمِيهَا فَإِنَّمَا ... حَلَلْتُ الْكَثِيبَ مِنْ زَرُودٍ لِأفْزَعَا