قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين 20 وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ 21 قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير 22 ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير 23 قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين 24 قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون 25}
  أي: لأجيب الداعي، وقال:
  إِذا فَزِعوا مَدُّوا إِلى اللَّيلِ صارِخًا ... كَمَوجِ الأَتِيِّ المُزبِدِ المُتَراكِبِ
  ومعنى الآية: إذا دعوا وأجابوا، وخص القلوب بذلك؛ لأن الإنسان يعقل بقلبه، والكناية عن المشركين، عن أبي مسلم. وهذا تعسف شديد.
  «وَهُوَ الْعَلِي الْكَبِيرُ» قيل: القادر السيد المطاع، وقيل: العلي في صفاته، الكبير في قدرته.
  ومتى قيل: كيف اتصل وصف الملائكة لما وصف بما قبله وما بعده؟
  قلنا: بَيَّنَ أنه إذا كانت الملائكة صفتهم هكذا، فكيف يملكون الضر والنفع؟!
  وإذا كان ذلك حالهم مع منزلتهم فكيف حال الأصنام؟!
  «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» أي: من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات، فإذا اعترفوا بعجز ما ادعوه من الشركاء عن ذلك علم بأن فاعل ذلك هو الله؛ لأنه القادر على ما يشاء، فإذا ثبتت الحجة بهذا عليهم. فـ «قُلِ» على وجه الإنصاف في الحجاج [«اللَّهُ] وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» أي: ظاهر أن أحدنا ضال والآخر مهتدٍ، فإذا ظهر أنا على الحق ثبت أن الضال مَنْ خَالَفَ، كقول أحدهم لصاحبه: أحدنا كاذب، (المعنى): ليس أمرنا واحدًا، فكذبهم بأحسن مما لو صرح بالتكذيب، وقيل: إنما قال ذلك مبالغة في الحجة والمداراة والتلطف في الاستدعاء، وقيل: جمع بين الخبرين وفوض التمييز إلى العقول كأنه قال: أنا على هدى وأنتم على ضلال، كقوك الشاعر:
  كَأَنَّ قُلُوبَ الطَيْرِ رَطْبًا وَيابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَاليِ