قوله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون 37 والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون 38 قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين 39 ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون 40 قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون 41 فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون 42}
  التضعيف في الجزاء؛ لأنه يديمه أبدًا، عن أبي علي. وقيل: «جَزَاءُ الضِّعْفِ» الذي أعلمناكم مقداره وهو عشرة أمثالها، وقيل: «جَزَاءُ الضعْفِ»: أي: المثل، أي: أعطيناهم في الآخرة مثل ما كان لهم في الدنيا من النعيم بعملهم، عن أبي مسلم. وقيل: إنما استثنى المؤمنين من الأغنياء بأن لهم جزاء الضعف بما عليهم من المشقة من وجهين:
  أحدهما: أن غناهم يدعوهم إلى الإسراف والفساد، فتلحقهم مشقة في الامتناع.
  والثاني: يدعوهم الشرع إلى الإنفاق في المعروف، فتلحقهم باتباعه مشقة.
  «وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ» قيل: في القصور آمنون من زوالها ومن كل ما يُخافُ «وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ» يعملون «فِي آيَاتِنَا» حججنا، قيل: يسعون في رد الآيات، وقيل: يسعون في منع الناس عن الإيمان «مُعَاجِزِينَ» قيل: مقدرين أنهم يفوتون الله، وقيل:
  معاجزين للأنبياء والمؤمنين، عن أبي علي. «أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ» أي: يحضرون للتعذيب، وقيل: أراد الأتباع والمتبوعين «قُلْ» يا محمد: «إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [لَهُ]» يضيق بحسب المصلحة.
  ومتى قيل: لِمَ كرَّر هذه الآية؟
  قلنا: لأن الأول توبيخ للكافرين وهم المخاطبون به، والثاني عظة للمؤمنين، كأنه قال: ليس ما أعطيت الكفار لفضيلة لهم، بل يزيدهم عقوبة، وخاطب المؤمنين بأن أموالهم تقربهم؛ لأنهم ينفقونها في سبيل الله، وقيل: الأول: أنه يبسط الرزق ويقدر من غير أن يعلم أكثر الناس المصلحة فيه، والثاني: أنه يبسط ويقدر وأن من ينفق يخلفه عليه، فالأول جواب للكفار، والثاني الترغيب في الإنفاق.
  «وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ» أي: أخرجتم من أموالكم في وجوه البر «فَهُوَ يُخْلِفُهُ» أي: يعطي خلفه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا زيادة النعيم، وفي الآخرة ثواب الجنة، واختلفوا، فحمله بعضهم على النفقة في أعمال البر والمباحات، وما كان من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه، ومنهم من حمله على أعمال البر، وهو اختيار أبي علي. «وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ»؛ لأنه يعطي المنافع عباده لا يدفع به ضررًا عن نفسه، ولا يجر نفعًا إلى نفسه؛ لاستحالة المنافع والمضار عليه «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا» الكفار الذين