التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب 48 قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد 49 قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب 50 ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب 51 وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد 52 وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد 53 وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب 54}

صفحة 5823 - الجزء 8

  والمبطل، وقيل: سميع الدعاء قريب الإجابة، ولم يرد قريب المكان؛ لأن ذلك يستحيل عليه «وَلَوْ تَرَى» يا محمد «إِذْ فَزِعُوا» خافوا عذاب الدنيا «فَلاَ فَوْتَ» أي: لا نجاة «وَأُخِذُوا» بعذاب الدنيا «مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ»، عن ابن عباس. وقيل: أخذوا يوم بدر، عن الضحاك، وزيد بن أسلم. وقيل: من تحت أقدامهم، عن الكلبي. وقد روي مرفوعًا «أن السفياني يخرج ويبعث جيشًا فيخرج جيش الكوفة فيقتلهم ثم [يسير] إلى المدينة ثم يخسف الله بهم الأرض» «وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ» من تحت أقدامهم، وقيل: الفزع: إجابة الداعي، يعني: لو ترى إذ أجابوا داعي اللَّه عند قبض الملائكة أرواحهم، فلا يقدرون أن يفوتوه، عن أبي مسلم. وقيل: فزعوا من أهوال القيامة [حين] دعوا من قبورهم فأجابوا وعاينوا أهوالها، وساء ما يكرهون فلا يمكنهم الفوت، عن الحسن، وقتادة. «فَلا فَوْتَ» قيل: لا مهرب، عن الضحاك. وقيل: لا يفوتون، وأخذوا من أقرب ما يكونون؛ لأنهم حيث كانوا لا يبعدون من الله؛ لأنه تعالى ليس في مكان. وقيل: «مِنْ مَكَان قَرِيبٍ» من بطن الأرض يحشرون إلى وجوهها من غير منع، عن الحسن. «وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ» يعني: حين عاينوا العذاب قالوا: آمنا به، قيل: هو يوم القيامة، وقيل:

  عند الموت ورؤية البأس، وقيل: عند الخسف في حديث السفياني و «بِهِ» قيل: بِاللَّهِ، وقيل: بالرسول، وقيل: بالقرآن «وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ» أي: تناول التوبة «مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ» أي: من الآخرة، وهم غير مكلفين، يعني: كيف ينتفعون بإيمانهم في هذا الوقت وهو القيامة؟! وإنما ينتفع به في الدنيا. وقيل: كيف لهم أن يتناولوا ما كان قريبًا منهم مبذولاً لهم، فلم يتناولوه؟ فكيف يتناولون حين يعذب، وهو من السير البطيء بل يحركه، وقيل: معناه: كيف ينتفعون بتوبتهم «وَقَدْ كَفَرُوا [بِهِ] مِنْ قَبْلُ» في الدنيا، ولم يرد بُعْدَ المكان؛ وإنما أراد بُعْدَ انتفاعهم به وبُعْدَهُم عن الصواب، وقد كفروا بِاللَّهِ أو بالرسول أو بالقرآن من قبل في الدنيا «وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ» أما من فتح ياء (يقذفون)