التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير 1 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم 2 ياأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون 3 وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور 4 ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 5}

صفحة 5827 - الجزء 8

  وقوله: {فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} يقال: لم ذُكِّر، وأنَّث قوله: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا

  قلنا: أما {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} كناية عن الرحمة، وأما «له» اختلفوا، قيل: يرجع إلى العذاب وإلى تغير الرحمة [وهو] غير حقيقي؛ لأنه ليس من جنسها ذكّر، فجاز فيه التذكير والتأنيث، وقيل: «له» أي: لما يمسك؛ لأن (ما) بمنزلة (الذي)، و (الذي) يذكَّر.

  · المعنى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» أي: قولوا: الثناء الحسن وشكر النعم كلها لله الذي تحق له العبادة الذي هو «فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» أي: خالقها، فأمر بحمده وشكره على نعمه في الدنيا.

  ثم عقب بنعم الدين، فقال سبحانه: «جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً» إلى الأنبياء لتعرفهم مصالح الخلق، وتهديهم إلى رشدهم، وقيل: جعل بعضهم إلى بعض أو إلى الأنبياء، وهو اختيار القاضي. وقيل: أعدهم لذلك وإن لم يرسلهم، أي: لطف لهم حتى صلحوا للإرسال.

  ولما كانوا سكان السماء، والإرسال لا يتم إلا بالنزول والصعود، ويتمكن فيها بالجناح خصهم به، فقال سبحانه: «أُولِي أَجْنِحَةٍ» أي: خلق لهم الأجنحة ليطيروا بها، ثم فَصَّلَ الأجنحة فقال: «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» قيل: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة أجنحة، عن قتادة. وقيل: المراد به التنبيه على كثرة الأجنحة، والزيادة عليها يجوز، عن عمرو بن عبيد.

  ومتى قيل: كيف تصح الزيادة على جناحين؟

  قلنا: تصح ويكون أقوى على الطيران كما أن السمك له أجنحة كثيرة.

  «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ» قيل: في خلقه الأجنحة، وقيل: في جنس المخلوقات، وقيل: هو الصوت الطيب الحسن [للملائكة] لهم أجنحة، ويحتمل أن يكون الجناح للرسل إلى الأنبياء، وغيرهم لا يكون لهم جَنَاح، ولهذا [ينزلون] في الغمام يوم القيامة، وذلك مما يعلم بالسمع أو بمشاهدة، والله أعلم بتفاصيله «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» يزيد وينقص، ويوحد ويثني.