التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير 6 الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير 7 أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون 8 والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور 9 من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور 10}

صفحة 5832 - الجزء 8

  · المعنى: لما حذر من الشيطان بيّن عداوته وأن حزبه من أصحاب النار تحذيرًا من اتباعه، فقال سبحانه: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» أي: عادوه، ولا تتبعوه بأن تعملوا بإرادته ووسوسته، فليس المراد أن تلعن ظاهرًا، وتتبع تفعل المعاصي؛ فإن هذا ليس بعداوة «إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ» أشياعه وأولياءه إلى المعاصي «لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ» ليصيروا إلى النار، واللام لام العاقبة، أي: يصيرون في العاقبة إلى النار «الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ» باتباعه ومخالفة أمر الله تعالى، والعذاب الشديد هو عذاب النار، نعوذ بِاللَّهِ منه «وَالَّذِينَ آمَنُوا» بالله ورسوله وعادوا الشيطان «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» أي: الطاعات «لَهُم مَّغْفِرَةٌ» يغفر الله ذنوبهم «وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» ثواب عظيم «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا» يعني: موّه عليه فرأى سوء عمله حسنًا.

  ومتى قيل: مَنْ زين له؟

  قيل: نفسه والشيطان وأقرانه، أما نفسه فَتَمِيلُهُ إلى الشهوات والشبهات واتباع المألوف والإعراض عن النظر، وأما الشيطان فبإغوائه ووسوسته يزين اللذات، وأما أقرانه فالدعاء إلى اللذات والشبهات.

  وقيل: المُزَيِّنُ علماء السوء، زينوا الباطل بالشبه.

  وقيل: بل الرؤساء والمتبوعون، ولا يقال: الله زَيّنَهُ؛ لأنه تعالى ذمهم على ذلك التزيين، ولو كان هو زَيَّنَهُ لَمَا ذمه، ولأنه قال: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}⁣[الحجرات: ٧].

  «فَرَآهُ حَسَنًا» يصوره حسنًا كعادة الجهال «فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» قيل: يحكم بالضلال والهداية، وقيل: يضل عن طريق ثوابه وجنته من يشاء، ويهدي إليه من يشاء، هو القادر على ذلك وحده «فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيهِمْ حَسَرَاتٍ» أي: لا يغمك حالهم إذا كفروا، واستحقوا العذاب، كقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}⁣[الشعراء: ٣] «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» فيجازيهم بذلك.