التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود 27 ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور 28 إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور 29 ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور 30}

صفحة 5846 - الجزء 8

  ومتى قيل: قد نرى عالمًا به لا يخافه ويرتكب المعاصي؟

  قلنا: لا بد أن يخافه وإن آثر المعاصي بعاجل شهوته.

  «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» أي: قادر على ما يشاء «غَفُورٌ» يغفر ذنوب عباده عند التوبة.

  ثم وصف العلماء، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ» أي: يعرفونه، قيل: هو القرآن، عن أبي علي. وقيل: التوراة، عن أبي مسلم. والأول أوجه، و (الَّذِينَ) قيل: هم المسلمون، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب، عن أبي مسلم.

  «وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ» أي: أدوها في أوقاتها بصفاتها وشرائطها «وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ» في سبيل الخير «سِرًّا وَعَلَانِيَةً» قيل: السر: التطوع، والعلانية: الفرض، وقيل: فعلوا في السر والعلانية لإخلاصهم وبعدهم عن الرياء، بخلاف المنافقين، عن أبي مسلم. «يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ» أي: لا تهلك، وقيل: لا تكسد؛ لأنه يستحق الجزاء لا محالة بخلاف التجار في الدنيا؛ لأن تجارتهم ربما تهلك وربما تكسد، فأراد أن تجارتهم مربحة لا محالة، «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ» أي: يتم عليهم جزاء أعمالهم «وَيَزِيدَهُمْ» على ذلك «مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ» لمن استغفره «شَكُورٌ» لمن عمل بطاعته، قيل: الشكور الذي يعطي على الإحسان جزاءه كمعاملة الشاكر، قال أبو علي: ووصف الله تعالى بأنه شكور مجاز، ومعناه: المجازاة على الطاعة، وقيل: شكور؛ لأنه يقبل اليسير، ويثيب عليه بالكثير.

  · الأحكام: تدل الآيات على أدلة على صانع مدبر قادر عالم حي سميع بصير مخالف للأجسام والأعراض.

  وتدل أن الخشية إنما تحصل بعد العلم بالله تعالى، وذلك ظاهر، وكل من كان أَعْرَفَ كان أخوف.

  وتدل أن الثواب يُنالُ بمجموع ما ذكر، بخلاف قول المرجئة.