التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير 31 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32 جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35}

صفحة 5849 - الجزء 8

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى إنزاله الكتاب، وبين أحوال الناس فيه، فقال سبحانه: «وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيكَ» يا محمد «مِنَ الْكِتَابِ» وهو القرآن «هُوَ الْحَقُّ» أي: يدل على الحق ويبينه «مُصَدّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ» قيل: صَدَّقَ الكتب بأن جاء كما بَيَّنَ فيها، وقيل: صدقه بأن شهد بأنه صدق «إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ» أي: عالم بمصالحهم فيأمرهم بها، عالم بأعمالهم، فيجازيهم عليها.

  ومتى قيل: في تصديقه الكتب اتفاق الشرائع؟

  قلنا: ولمَ؛ لأن اختلاف الشرائع لا يوجب التناقض، كما أن اختلاف حال المسافر والمقيم، والطاهر والحائض، لا يوجب تناقض الشرائع.

  «ثُمَّ»: قيل: (ثُمَّ) مردود على ما تقدم من الكتب في قوله، تقديره: {مُصَدِّقًا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ} أورثنا بني إسرائيل الكتاب، وهو التوراة، عن أبي مسلم. وقيل: هو بمعنى الواو، وقيل: أعطينا الكتب أولئك «أَوْرَثْنَا» أعطينا، عن مجاهد. وقيل: اخترنا القرآن عن الأمم لأمة محمد ÷ «الْكِتَابَ» قيل: القرآن، وقيل: التوراة وسائر الكتب، أعطاه الله الأنبياء، عن أبي علي. «الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا» اخترنا «مِنْ عِبَادِنَا» قيل: هم الأنبياء اختارهم الله لرسالته وكتبه، عن أبي علي. وقيل: هم بنو إسرائيل الداخلون في قوله: {اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}⁣[ال عمران: ٣٣] عن أبي مسلم. قال: والأنبياء يعطون ابتداء الكتب، ولا يرثون بل تورث عنهم. وقيل: هم جميع أمة محمد ÷، وقيل: هم علماء هذه الأمة، كما روي: «العلماء ورثة الأنبياء»، واختلفوا بأي شيء اصطفاهم، فمنهم من قال: اصطفاهم لطاعتهم، ومنهم من قال: اصطفاهم بالكتاب، ويجوز ذلك وإن كان ظالمًا بترك العمل به، ويجوز أن يكون مصطفى في ذلك الوقت ثم يتغير من بعد، ومن حملهم على الأنبياء