قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير 31 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32 جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35}
  قال: اصطفاهم بالرسالة «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ» اختلفوا أن الكناية تعود إلى العباد، «فَمِنْهُمْ ظَالمٌ» مستحق للنار، وقيل: بل بالقسمة يدخل في اصطفينا؛ يعني: مَنْ اصطفيناه على ثلاثة أقسام، عن جماعة من المفسرين، وهو قول أبي مسلم، ثم اختلفوا في الأقسام الثلاثة على قولين:
  أولهما: قول من قال: إن الثلاثة ناجية.
  وثانيهما: قول من يقول: بعضها ناجية، وبعضها هالكة، وقد أكثروا فيه، ونشير إلى جمله:
  فأما من قال: بعضها ناجية، وبعضها هالكة، اختلفوا، فقيل: الظالم: من يستحق النار، المُصِرُّ على الذنب من الكفار والفساق، والمقتصد: المؤمن، المستحق للجنة، والسابق: هم الَّذِينَ سبقوا مع الأنبياء، ونظير هذه الآية قوله في (الواقعة): {وَكُنْتُمْ أَزوَاجًا ثَلَاثَةً}[الواقعة: ٧] عن أبي علي. وتقدير الكلام عنده: فمن العباد ظالم، ومؤمن، وسابق، فعلى هذا فرقتان ناجيتان، وفرقة هالكة، وروي نحوه عن ابن عباس، والحسن، وقتادة. وقيل: أراد ب (اصْطَفَينَا) بني إسرائيل «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ»، وهم الكفار الَّذِينَ حرفوا الكتاب «وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» قصد سبيل أولئك الكافرين الأولين واتبع آثارهم، والمقتصد: هو المقتصد سبيل الكفار، أي: التابع المقتدي، والسابق: هو المؤمن المستحق للجنة، ولهذا ذكر أحكام فريقين لا غير، فوعد الكافر النار، والمؤمن الجنة، عن أبي مسلم وزيّف قول أبي علي، فعلى هذا فرقتان هالكتان، وفرقة ناجية. وقيل: الظالم: المنافق، والمقتصد: التابع بإحسان، والسابق: من سبق إلى الإيمان مع الرسول، عن الحسن. فرقتان بإحسان، وفرقة هالكة، وهو الأوجه. وقيل: السابق: العالم، والمقتصد: المتعلم، والظالم: الجاهل. وقيل: الظالم: طالب الدنيا، والمقتصد: طالب العقبى، والسابق: طالب المولى.
  ومتى قيل: كيف يكون المصطفى ظالمًا؟
  قلنا: من قال: القسمة وقعت في العباد لا سؤال عليه. ومن قال: ترجع إلى