قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير 31 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير 32 جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35}
  المصطفى وحمل الظلم على الصغائر فلا سؤال عليه، فأما من حمل الظلم على الكفر يقال: الاصطفاء إنما هو بالتكليف أو بتبليغ دينه وعلم كتابه، فيظلم نفسه ويتبع هواه، ويجوز أنه اصطفاه ثم تَغَيَّرَ.
  ومتى قيل: هذه القسمة في العلماء أو في غيرهم؟
  قلنا: في العلماء لوجهين:
  أحدهما: أنهم ورثوا الكتاب.
  والثاني: أن يكون ذا رشاد، والجاهل لا يوصف به، وإنما عليه اتباع العلماء.
  وقيل: الظالم: الذي يذكر ربه بلسانه دون قلبه، والمقتصد الذي يذكره بقلبه، والسابق: الذي لا ينسى ربه.
  فأما من قال: جميعها ناجية، اختلفوا، فروي عن أبي الدرداء أن النبي ÷ قال في الآية: «أما السابق: فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد: فيحاسب حسابًا يسيرًا، فأما الظالم لنفسه: فيحبس، ثم يدخل الجنة، فهم الَّذِينَ قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}».
  وعن عائشة: السابق: من مضى على عهد رسول الله، والمقتصد: من اتبع أثره من أصحابه، والظالم لنفسه: فمثلي ومثلكم.
  وعن ابن عباس: السابق: المؤمن، والمقتصد: المرائي، والظالم لنفسه: الكافر لنعمه غير الجاحد له؛ لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة.
  وعن عائشة: السابق: الذي أسلم قبل الهجرة، والمقتصد: الذي أسلم بعد الهجرة، والظالم: نحن.
  وعن أسامة: أن النبي ÷ تلا هذه الآية، ثم قال: «كلهم في الجنة».