التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون 41 وخلقنا لهم من مثله ما يركبون 42 وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون 43 إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين 44 وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون 45 وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 46 وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين 47}

صفحة 5885 - الجزء 8

  أن يرحمهم بألطافه ويمتعهم إلى وقت ليؤمنوا، وقيل: معناه: إلا رحمة منا وإمتاعًا «إِلَى حِينٍ» إلى مدة، عن الزجاج. «وَإذَا قِيلَ لَهُمُ» للمشركين «اتَّقُوا مَا بَينَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ» فيه عدة أقوال: قيل: اتقوا ما بين أيديكم من عذاب الله ووقائعه كما حل قبلكم بالأمم، واتقوا ما خلفكم من أمر الساعة وعذاب الآخرة، عن قتادة، ومقاتل، وابن الأنباري. وقيل: «مَا خَلْفَكُم»: ما مضى من الذنوب، و «مَا بَينَ أَيْدِيكُم»: ما يأتي من الذنوب، عن مجاهد، وأبي مسلم. وقيل: «مَا بَينَ أَيْدِيكُم» من أمر الآخرة فاعملوا لها، «وَمَا خَلْفكُمْ» من الدنيا، فلا تغتروا بها، عن ابن عباس. وقيل: «مَا بَينَ أَيْدِيكُم» ما مضى من آجالكم، «وَمَا خَلْفكُمْ»، ما بقي منه، عن الحسن. وقيل: اتقوا ما أنتم عليه من الكفر وما نحن عليه في المستقبل من الجزاء، كأنه قيل: اتقوا ما قدمتم من الكفر فتوبوا، واتقوا ما أعد لكم من جزاء الكفر فانتهوا، عن أبي مسلم. وقيل: ما تقدم من أفعالكم وما تأخر من جزائه في الآخرة. وقيل: ما بين أيديكم من آيات الله حديث قبلكم، وما خلفكم من آيات الله حديث بعد خلقكم آمِنُوا بالجميع، عن أبي علي. وقيل: الأوجه لنا أن المراد به عذاب الدنيا وعذاب الآخرة باتقاء المعاصي، وبالندم على ما سلف «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» أي: لكي ترحموا، قيل: معناه: لترحموا فتنجوا، وقيل: افعلوا ذلك متعرضين للرحمة «وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ» حجة في التوحيد والعدل، وقيل: من معجزة في النبوات «مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ» يعني: إذا قيل لهم: آمنوا بهذه الآية أعرضوا عن الداعي والتفكر في الآيات «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا» في سبيل الله «مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» أي: أعطاكم من نعمه «قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ [أَطْعَمَهُ]» وهذا لا يخلو إما أن قالوه استهزاءً، أو شكًا في قدرة الله تعالى، أو ردًّا لما أوجب الله عليهم، وجميع ذلك كفر «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ» أي: بَيِّن في اتباع محمد ومخالفتكم ديننا، عن مقاتل. فعلى هذا هو من قول المشركين. وقيل: هو من قول الله لهَؤُلَاءِ الكفار الَّذِينَ قالوا: «أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ». وقيل: هو من قول أصحاب رسول الله ÷ لهم.