التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون 41 وخلقنا لهم من مثله ما يركبون 42 وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون 43 إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين 44 وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون 45 وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 46 وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين 47}

صفحة 5891 - الجزء 8

  وقتادة. وقيل: هو من قول الكافرين، عن أبي علي، وابن زيد، وأبي مسلم؛ أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. وقيل: بل هو قول الملائكة جوابًا لهم.

  ومتى قيل: هل يشتبه عليهم أنهم معادون حتى يجابوا بذلك؟

  قلنا: إنهم اعتقدوا أنْ لا بعث، فلما بعثوا تمنوا أن لا إعادة فقالوا: «يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا» لَيْتَهُ لم يفعل فأجيبوا. وقيل: هو من قولهم اعترافًا.

  ومتى قيل: لمن قالوا ذلك؟

  قلنا: يجوز أنهم قالوا بعضهم لبعض تحسرًا، ويجوز أن يقوله في نفسه على سبيل النياحة.

  «إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيحَةً وَاحِدَةً» قيل: نفخة، وسميت صيحة؛ لأنها صوت مسموع على غير نظم وتأليف، وإنما قال: «وَاحِدَةً»؛ لأن الصوت إذا امتد يقال: واحدة، وإن عظمت، وإن كانت ذات أجزاء كثيرة «فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» أي: في موضع الجزاء والحساب، أشار بأنهم يموتون بصيحة ويحيون بصيحة، ويحضرون يوم القيامة من غير امتناع «فَالْيَوْمَ» يعني: يوم القيامة، والألف واللام للعهد «لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا» أي: لا يُبْخَسُ أحد حقه، ولا يُنْقَصُ محسن من جزاء إحسانه، ولا يُزَادُ مسيء على ما يستحقه «وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي: يجزى كل أحد بعمله.

  ثم فسّر ذلك ببيان حال الفريقين، فقال سبحانه: «إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ» قيل: هو كناية عن افتضاض الأبكار، عن ابن مسعود، وابن عباس. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ÷ قال: «إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عادوا أبكارًا». وقيل: «في شُغْلٍ» عن أهل النار وما هم فيه، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم وإن كانوا أقارب، عن الكلبي. وقيل: «في شُغْلٍ» في حديث الدنيا، وقيل: في السماع، عن وكيع. وقيل: «في شُغْلٍ» بتناول كل لذة من المنزل والفرش والخدم والجواري والغلمان والفواكه وغير ذلك كالملوك في الأعياد «فَاكِهُونَ»