التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والصافات صفا 1 فالزاجرات زجرا 2 فالتاليات ذكرا 3 إن إلهكم لواحد 4 رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق 5 إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب 6 وحفظا من كل شيطان مارد 7 لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب 8 دحورا ولهم عذاب واصب 9 إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب 10}

صفحة 5908 - الجزء 8

  يعيّن، فيحمل على الملائكة والمؤمنين، واختلفوا في القسم، فقيل: القسم بِاللَّهِ تعالى على تقدير: ورب الصافات، فحذف؛ لأن التعظيم بالقسم إنما هو لله سبحانه، وقد منع من القسم بغيره، عن أبي علي، والقاضي. وقيل: بل أقسم بهذه الأشياء لما يتضمن من تعظيمها لما فيها من الدلالة على توحيده وصفاته «فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا» قيل: هم الملائكة، عن مجاهد، والسدي، وأبي علي. ثم اختلفوا، قيل: تزجر السحاب وتسوقه، وقيل: تزجر عن معاصي الله. وقيل: هي زواجر القرآن وآياته، عن قتادة. وقيل: هم المؤمنون يرفعون أصواتهم عند قراءة القرآن؛ لأن الزجرة هي الصيحة، كأنه قال: الصافات من المؤمنين الصائحين بقراءة القرآن، عن أبي مسلم. «فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا» أي: القارئات، قيل: جبريل والملائكة يتلون كتاب الله، عن مجاهد، والسدي. وقيل: الذكر هو أم الكتاب كتب لهم في اللوح المحفوظ. وقيل: ما يتلى من القرآن، عن قتادة. وقيل: جماعة قراء القرآن وهم المؤمنون يتلون القرآن في الصلاة، عن أبي مسلم. «إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ» أي: من تحق له العبادة والإلهية واحد، وهو صانع العالم ومدبره المتفرد بالقدم والبقاء «رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي: خالقهما ومدبرهما «وَمَا بَينهُمَا» من الجان والأنعام وسائر النعم «وَرَبُّ الْمَشَارِقِ» أي: خالق مطالع الشمس والقمر والنجوم، وقيل: مشارق الشمس وهي ثلاثمائة وستون مشرقًا وثلاثمائة وستون مغربًا بعدد أيام السنة، عن ابن عباس، والسدي. وقيل: كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق، وكل موضع غربت عليه فهو مغرب، كأنه أراد رب جميع ما شرقت عليه الشمس «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا» يعني: الأقرب إلينا؛ لأن الدنيا تأنيث الأدنى «بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ» يعني: زين السماء بالكواكب، وقيل: أراد زينة للناظر وإن كانت الكواكب على الأفلاك. وقيل: أراد بالسماء العلو دون نفس السماء، والصحيح الأول؛ لأنه الحقيقة ولا مانع منه «وَحِفْظًا» أي: حفظناها حفظًا «مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ مَارِدٍ» أي: خبيث خالٍ عن الخير.

  ومتى قيل: ما وجه الحفظ؟