التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون 33 إنا كذلك نفعل بالمجرمين 34 إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون 35 ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون 36 بل جاء بالحق وصدق المرسلين 37 إنكم لذائقو العذاب الأليم 38 وما تجزون إلا ما كنتم تعملون 39 إلا عباد الله المخلصين 40 أولئك لهم رزق معلوم 41 فواكه وهم مكرمون 42 في جنات النعيم 43 على سرر متقابلين 44 يطاف عليهم بكأس من معين 45 بيضاء لذة للشاربين 46 لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون 47 وعندهم قاصرات الطرف عين 48 كأنهن بيض مكنون 49}

صفحة 5920 - الجزء 8

  {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ} نصب على الاستثناء.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ أن جدالهم الذي تقدم لا يجر نفعًا ولا دفعًا، وأنهم مشتركون في العذاب، وعقب ذلك بذكر أهل الجنة، فقال سبحانه: «فَإنَّهُمْ» يعني: من تقدم ذكره من الأتباع والمتبوعين «يَوْمَئِذٍ» يعني: يوم القيامة «فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ» أي: جمعوا في العذاب «إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ» أي: كذلك نجزي ونعذب كل مجرم «إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ» أي: يتكبرون عن قبول الحق في إخلاص التوحيد والعدل «وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا» استفهام والمراد الإنكار، أي: لا نترك آلهتنا، يعنون الأصنام «لِشَاعِرٍ» يعني: لقول شاعر، ويعنون به النبي ÷، عن الحسن، وقتادة. وقيل: لأجل شاعر، عن أبي مسلم. فرد الله ذلك عليهم، فقال سبحانه: «بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ» أي: بالدين الحق «وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ» في الدعاء إلى التوحيد. وقيل: صدقهم؛ لأنهم بَشَّرُوا به فبعث كما بشروا، وقيل: صدق بنبوتهم «إِنَّكُمْ» أيها الكافرون «لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ» الوجيع «وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» من المعاصي في الدنيا «إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» قيل: تقدير الاستثناء: إنكم لصائرون إلى النار إلا عباد الله المخلصين، وقيل: يعود إلى قوله: «لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ» إلا المخلصين أي: أخلصوا العبادة لله تعالى فاصطفاهم لأجل ذلك «أُولَئِكَ لَهُم رِزْقٌ مَعْلُومٌ» قيل: بكرة وعشيًا كقوله {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}⁣[مريم: ٦٢] وأراد على تقدير البكرة والعشي في الدنيا، وقيل: يعلمون دوامه، عن أبي مسلم. وقيل: يعلمون مقدار ما يصل إليهم في كل وقت وما يستحقونه، عن أبي علي. «فَوَاكِهُ» كل طعام يؤكل للذة لا للقوت الذي هو حفظ الصحة، وذلك يشتمل على يابس ورطب «وَهُمْ مُكْرَمُونَ» معظمون «فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» أي: يقابل بعضهم بعضًا، ويستمتع بعضهم بالنظر إلى بعض وَبمحادثتهم «يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ» إناء فيه شراب، قال الأخفش: كل كأس في القرآن فالمراد به الخمر «مِنْ مَعِينٍ» جارية في أنهارها ظاهرة للعيون، وقيل: شديدة الجري «بَيْضَاءَ» أي: صافية في نهاية النظافة واللطافة