التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن من شيعته لإبراهيم 83 إذ جاء ربه بقلب سليم 84 إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون 85 أئفكا آلهة دون الله تريدون 86 فما ظنكم برب العالمين 87 فنظر نظرة في النجوم 88 فقال إني سقيم 89 فتولوا عنه مدبرين 90 فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون 91 ما لكم لا تنطقون 92 فراغ عليهم ضربا باليمين 93 فأقبلوا إليه يزفون 94 قال أتعبدون ما تنحتون 95 والله خلقكم وما تعملون 96 قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم 97 فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين 98}

صفحة 5934 - الجزء 8

  · المعنى: ثم بَيَّنَ قصة إبراهيم، فقال سبحانه: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ» أي: على منهاج نوح وسنته، عن مجاهد. واختلفوا في هذه الكناية، قيل: ترجع إلى نوح، أي: مِنْ مَفَاخِرِ نوح أن جعل إبراهيم مع جلالته من شيعته وعلي طريقته، وقيل: وإن من شيعة محمد لإبراهيم؛ لأنه كان على دينه، عن الفراء. وليس بصحيح؛ لأنه عدول عن الظاهر ونسق الكلام كما يتقدم، وأكثر المفسرين على القول الأول «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» أي: بريء من المعاصي والغل والغش، عاش كذلك، وقيل: بقلب سليم من كل ما سوى الله تعالى لم يتعلق بشيء غيره «إِذْ قَال لأَبِيهِ» آزر «وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ» وأراد به التوبيخ دون الاستفهام لعلمه أنهم يعبدون الأصنام «أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ» أي: تريدون عبادة أصنام وتزعمون أنها آلهة إفكًا وكذبًا، والإرادة تتعلق بمحذوف وهو اتخاذهم وعبادتهم، وقيل: الإفك: الأصنام؛ أي: أتتخذون إفكًا آلهة وهي الأصنام، عن أبي علي، قال: وسمى الأصنام إفكًا؛ لأنهم يأفكون لها بأنها آلهة «فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ» قيل: أي شيء ظنكم به؟ هذا هو سوء ظن أن جعلتم معه آلهة، وقيل: ما ظنكم أن يصنع بكم جزاء ما فعلتموه؟ وقيل: ما ظنكم به أن يصنع به إذا اتخذتم حجرًا معبودًا إلهًا؟ وقيل: إيش تظنون به أنه على صفة؟ وقيل: كانوا يتوقعون الثواب على عبادة الأصنام، فرد عليهم؛ أي: كيف تظنون ذلك وأنتم تعبدون حجرًا؟ وقيل: كيف تظنون برب تأكلون رزقه وتعبدون غيره «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ» قيل: نظر إلى الكواكب، وهو حقيقة الكلام وظاهره. وقيل: في علم النجوم وحسابه، وليس بالوجه؛ لعدوله عن الظاهر، وأنه لم يُرْوَ أنه كان منجمًا، والمنجم يظن فيما يقول، والنبي يقطع «فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ» قيل: هو نظره ابتداء في النجوم لما جن عليه الليل رأى كوكبا، فلما أفل ورأى صفة الحدوث علم أنه ليس بإله، «فَقَالَ إِنّي سَقِيمُ»؛ أي: لست على يقين من الأمر وشفاء من العلم، وكان ذلك ابتداء حال التكليف، فلما استدل وعلم الحق قال: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ٧٨ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٧٩}⁣[الأنعام: ٧٨ - ٧٩]، ودعا إلى توحيد الله وعبادته، عن أبي مسلم. وقيل: إني سقيم بما أرى من أحوالكم القبيحة في عبادة غير الله تعالى،