قوله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين 139 إذ أبق إلى الفلك المشحون 140 فساهم فكان من المدحضين 141 فالتقمه الحوت وهو مليم 142 فلولا أنه كان من المسبحين 143 للبث في بطنه إلى يوم يبعثون 144 فنبذناه بالعراء وهو سقيم 145 وأنبتنا عليه شجرة من يقطين 146 وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون 147 فآمنوا فمتعناهم إلى حين 148}
  «إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» السفينة المملوءة بالناس وغيرهم «فَسَاهَمَ» فقارع، عن ابن عباس، والسدي. يعني: ألقوا بالسهام على سبيل القرع، واختلفوا في سببه، قيل: أشرفوا على الغرق، فرأوا إنْ طُرِحَ واحد لم يغرق الباقون. وقيل: رأوا حوتًا تعرض لهم فقالوا: فينا مذنب مطلوب، فتقارعوا. وقيل: احتبست السفينة، فقال الملاحون: هاهنا عبد آبق؛ لأن عادة السفينة إذا كان فيها عبد آبق لا تجري، فاقترعوا، فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات، قيل: علموا أنه المطلوب، فألقى نفسه في البحر، وقيل: لما وقعت القرعة عليه أكرهوه وألقوه في البحر «فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» قيل:
  المفزوعين، وقيل: من الملقين في البحر، وقيل: من المسهومين، عن مجاهد. «فَالْتَقَمَهُ» ابتلعه «الْحُوتُ»، فأوحى الله إليه: «إني لم أجعل لك عبدي رزقًا، ولكني جعلت بطنك له مسجدًا، فلا تكسرن له عظما، ولا تخدشن له لحما، ولا تورد عليه طعامًا ولا شرابًا». «وَهُوَ مُلِيمٌ» قيل: مذنب، عن مجاهد، وابن زيد. وقيل: كان يلوم نفسه على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه. وقيل: مستحق للوم، وهذا لوم عتب، لا لوم عقوبة. ومن قال: إنه كان مذنبًا، يقول: كان صغيرة. واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت، فقيل: ثلاثة أيام، عن مقاتل ابن حيان. وقيل: سبعة أيام، عن عطاء. وقيل: عشرون يومًا، عن الضحاك. وقيل: أربعون يومًا، عن السدي، ومقاتل بن سليمان، والكلبي. «فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ» قيل: كان يسبح الله، ويعبده في الرخاء، فأنجاه الله من البلاء، عن قتادة. وقيل: تسبيحه قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: ٨٧] عن سعيد بن جبير. وقيل: ما نجاه اللَّه إلا بالتوبة والندم، عن الحسن. واختلفوا في قوله: «مِنَ الْمُسَبِّحِينَ» قيل: المنزهين لله الذاكرين له، وقيل: من المصلين، عن ابن عباس. وقيل: من المطيعين، عن مقاتل. وقيل: من العابدين، عن وهب. وعن الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت، ولكن قدم عملاً صالحًا قبل الذنب. «لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» يعني: لصار بطنه قبرًا له إلى يوم القيامة «فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ» قيل: المكان الخالي لا نبت فيه ولا شجر،