التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن كانوا ليقولون 167 لو أن عندنا ذكرا من الأولين 168 لكنا عباد الله المخلصين 169 فكفروا به فسوف يعلمون 170 ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين 171 إنهم لهم المنصورون 172 وإن جندنا لهم الغالبون 173 فتول عنهم حتى حين 174 وأبصرهم فسوف يبصرون 175 أفبعذابنا يستعجلون 176 فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين 177 وتول عنهم حتى حين 178 وأبصر فسوف يبصرون 179 سبحان ربك رب العزة عما يصفون 180 وسلام على المرسلين 181 والحمد لله رب العالمين 182}

صفحة 5960 - الجزء 8

  بهم العذاب يعلمون عاقبة تكذيبهم وكفرهم، قيل: أراد بذلك في الحروب، وقيل: إذا رأوا العذاب في القيامة «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا» يعني: وَعْدُنا «لِعِبَادِنَا الْمُرسلينَ» قيل: هو قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}⁣[المجادلة: ٢١] وقوله: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) عن أبي مسلم. وقيل: ما كتب في اللوح المحفوظ أنه سيكون مصلحة للملائكة، وقيل: هو ما أخبر الله به الملائكة أن ينصر أنبياءه، عن أبي علي.

  ومتى قيل: كيف سبق الوعد لهم بالنصر وفيهم مَنْ هُزِمَ وقُتِلَ؟

  قلنا: فيه وجهان:

  الأول: النصر بالحجة، عن السدي.

  وثانيهما: ما غُلِبَ نبيّ في حرب ولا قُتِلَ فيها قط، عن الحسن. وقيل: سبقت كلمتنا بالسعادة.

  «إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» أضاف المؤمنين إلى نفسه ووصفهم بجنده تشريفا لهم وتعريفًا لفضلهم، حيث قاموا بنصرة دينه «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» أي: أعرض عنهم «حَتَّى حِينٍ» إلى مدة، قيل: إلى يوم بدر، عن مجاهد، والسدي. وقيل: إلى الموت، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: إلى يوم القيامة. وقيل:

  إلى يوم الفتح. وقيل: إلى الوقت الذي قدره الله لهلاكهم. وقيل: نسختها آية القتال، عن مقاتل. وقيل: ليس بمنسوخ وإنما هو إعراض استخفاف وإهانة «وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ» قيل: أنظرهم فسوف يرون العذاب، عن ابن زيد. وقيل: أبصر حالهم بقلبك، وقيل: أبصرهم في حال النصر الذي يأتيك فهم يبصرون، عن أبي علي. وقيل: انظر إليهم إذا عُذّبوا فهم يبصرون إليك. وقيل: فسوف يبصرون ما أنكروا، وقيل: أراد به عذاب الآخرة. وقيل: بل عذاب الدنيا فإن النبي ÷ رآهم أذلاء صاغرينٍ، وهم رأوا ذلك أيضًا «أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ» قيل: لما أوعدهم بالعذاب قالوا إنكارًا واستهزاءً: ائتنا بما تعدنا، فقال تعالى: «أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ» منكرًا لقولهم، أي: يتجرؤون على مثل عذابنا أن يستعجلوه وهو مما لا يُسْتَهْزَأُ به ولا يستعجل؟! «فَإِذَا نَزَلَ