التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد 6 ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق 7 أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب 8 أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب 9 أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب 10 جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب 11}

صفحة 5974 - الجزء 8

  الْمِلَّةِ الآخِرَةِ» أي: لنم. لْعرفه في عادة زماننا، وإنما كان هذا شيئًا يبلغنا عن الأزمان الماضية؛ لأن النبي، ÷ بعث على فترة من الرسل، وقيل: «في الْمِلَّةِ الآخِرَةِ» أي: النصرانية، عن ابن عباس، والقرظي، ومقاتل، والكلبي؛ لأن النصارى تجعل مع الله إلهًا غيره، وقيل: لأنهم لا يقرون بمحمد، وقيل: يعنون ملة قريش إلى ملة زماننا هذا، عن مجاهد، وقتادة. وقيل: «الْمِلَّةِ الآخِرَةِ» أي: هذا يكون في آخر الزمان، عن الحسن. «إِنْ هَذَا» الذي يقوله محمد «إِلَّا اخْتِلاَقٌ» أي: تَخَرُّصٌ وكذب، ثم عَجَّبُوا العامة فقالوا: «أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» يعني: القرآن «مِنْ بَيْنِنَا» وليس بأرفعنا نسبًا ولا أكثرنا مالاً وجاهًا، ولم يعلموا أن شرط النبوة الصلاح والاستصلاح، فتعجبوا منه أن خصه الله به، فأجابهم فقال: «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» يعني لا يحملهم على هذا القول إلا الشك فيما أنزلت على رسُولي من الوحي، يعني: أنهم أُتُوا من قبل أنفسهم في هذا، حيث أعرضوا عن الأدلة، فأما الله تعالى فقد أزاح العلة، ونصب الأدلة «بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ» أي: لم يذوقوا عذابي، ولو ذاقواه لما قالوا هذا القول «أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ» أي: نعمة ربك حتى تجري النبوة على مرادهم، وقيل: «رَحْمَةِ رَبِّكَ» أي: نبوة ربك «الْعَزِيزِ» القادر الغالب الذي لا يغالب «الْوَهَّابِ» كثير الهبات والعطايا، يعني: أنه قادر وهاب يقسم على حسب المصالح، وهم مع عجزهم وجهلهم كيف يعترضون «أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا» فيختاروا للرسالة مَنْ أحبوا، بل الاختيار إلى مالك الأشياء لا إليهم، وقيل: إنهم ترفعوا عن اتباع محمد وقبول قوله، فكأن لهم مُلْكَ السماوات والأرض [و] خزائن رحمته، وقيل: معناه: هل لهم مُلْكُ السماوات والأرض والخزائن، فيتهيأ