التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب 26 وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار 27 أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار 28 كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب 29}

صفحة 5994 - الجزء 8

  تركوا، عن السدي، وعكرمة. وقيل: بل معناه نسوا يوم الحساب بأن أعرضوا عنه حتى صاروا كالناسين له، عن الحسن. وقيل: بتركهم الإيمان بيومِ الحساب، وقيل: بتركهم العمل بما ينفعهم يوم الحساب «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا» أي: لو لم يكن مجازاة ومحاسبة وإعادة لكان خلق جميع ذلك عبثًا باطلاً حيث لا يكون على المصائب عوض، ولا بين الظالم والمظلوم انتصاف، ولا على الطاعة ثواب، ولا على المعصية عقاب، ولأن جميع ما يوجد في العالم من العادات الحادثة والأفعال المتسقة للاعتبار، فلو لم يكن كذلك لكان عبثًا، والباطل ما لا يكون فيه غرض صحيح، «ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا» يعني: مَنْ لم يؤمن بالمعاد كان ظانًا أن خَلْقَهُما باطل «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ».

  ثم أكد ذلك فقال سبحانه: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ».

  ثُمَّ أكد أمر المعاد فقال سبحانه: «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيكَ» يعني: القرآن «مُبَارَكٌ» لما فيه من منافع الدين والدنيا، وبالتدبر فيه يصل إلى كل خير «لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ» أي: ليتفكروا فيها فإنها جامعة للعقليات والشرعيات «وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ» يعني: ليتذكروا ما فيه، فهم المخاطبون دون مَنْ لم يكن عاقلاً، واللّبّ: العقل، واللام في قوله: «لِيَدُّبُّروا» لام الإرادة، أي: أنزلناه نريد منهم أن يدبروا.

  · الأحكام،

  تدل الآيات أنه تعالى جمع لداود بين النبوة والخلافة التي تتضمن الحكم بين الناس وتنفيذ الأحكام.