التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب 34 قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب 35 فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب 36 والشياطين كل بناء وغواص 37 وآخرين مقرنين في الأصفاد 38 هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب 39 وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 40}

صفحة 6002 - الجزء 8

  واختلفوا في سبب الإنكار، فقيل: رأوا أحكامه مختلفة فأنكر آصف، فدخل على نسائه وذكر أمره، فذكرن أنه يجامعهن في حال الحيض، وأنه لا يغتسل من جنابة، فعند ذلك أيقنوا.

  وقيل: لما أنكروا فراق التوراة طار الشيطان، وقعد آصف على سريره يقضي حتى عاد سليمان، كل ذلك عقوبة له.

  وقيل: لما عاد أخذ الشيطان فصفده، واختلفوا في اسمه، فقيل: صخر، وقيل: آصف، وقيل: حبقيق، وهذا كله فاسد -؛ لأن الأنبياء لا يُعاقبون، ولا تجوز عليهم الكبائر، ولا يجوز أن يُعْبَدَ في بيته الصنم؛ لما فيه من التنفير، ولا يجوز على الله أن يُمَكنَ شيطانًا حتى يقعد على سريره، ويحكم بين عباده، ويطأ نساء نبيه، وكيف يغير صورته الشيطان، ولا يقدر عليها، ولا يجوز على الله أن يغير، ومحال أن يقال: مُلْكُة كان في خاتمه، واللَّه تعالى أعطاه الملك والنبوة، قال الحسن: ما كان الله ليسلط شيطانًا على نسائه.

  فأما ما يقوله علماؤنا وعلماء التفسير: فرووا عن النبي ÷ «أن سليمان # قال: أطوف الليلة على مائة امرأة، فتلد كل امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف، فلم تحبل إلا امرأة واحدة ولدت نصف غلام، فجاءت به القابلة فألقته على كرسيه بين يديه، ولو قال: إن شاء الله كان كما قال»، فكان الابتلاء لأجل الاستثناء، والجسد هو نصف الولد.

  وقيل: ولد لسليمان ولد، واحتال الشياطين في قتله، وقالوا: نخاف أن يعذبنا كما عَذَبَنَا أبوه، فأمر السحاب فحملته، وأمر الريح أن تحمل إليه غذاءه خوفًا من الشياطين، فمات الولد، فألقي ميتًا على سريره ابتلاء حين خاف من الشيطان، فهو الجسد، عن الشعبي.