قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون 185}
  هدى يتضمن بينات من الهدى والفرقان فوجب حمله على غير ما تقدم ليفيد، وقيل: المراد بالهدى الأول الهدى من الضلالة، وبالثاني: بيان الحلال والحرام، عن ابن عباس. وقيل: أراد بالأول ما كلف من المعلوم، وبالثاني ما يشتمل عليه من ذكر الأنبياء وشرائعهم وأخبارهم؛ لأنها لا تدرك إلا بالقرآن، عن الأصم والقاضي؛ ولذلك قال: «وَبَيَّنَّاتٍ»؛ لأنه كالحكاية عن هدى من تقدم من الأنبياء، ثم وصف القرآن بأنه فرقان يعني يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام، وكل ذلك ترغيب في تدبره، والتعويل عليه، والتحذير من خلافه «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» الألف واللام في الشهر للعهد، والمراد به شهر رمضان، وقيل: من شهد أول الشهر فليصم جميعه عن علي #، وقيل: من شهد كل الشهر مقيمًا صحيحًا مكلفًا فليصمه، ومعنى «شَهِدَ» قيل: شاهد الشهر وهو مكلف، وقيل: حضر ولم يغب، ومعناه أن يرد الشهر وأوقاته وهو على صفة يلزمه الصوم فليصمه، فأوجب الصوم حتمًا ونسخ التخيير، وإن كان موصولاً به في التلاوة؛ لأن الانفصال تغيير عند الإنزال لا عند التلاوة، وعلى هذا قال العلماء في عدة المتوفى عنها زوجها: إن المقدم ناسخ، والمتأخر في التلاوة منسوخ؛ إذ لا معتد بالتلاوة، والمتلو أولا هو المنزل آخرًا، فأما الصوم فقد بينا صفته، وأنه الإمساك مع النية، ولا خلاف أن تقديم النية في وقت الشروع جائز، والخلاف في تأخره وقد بينا. «وَمَنْ كانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ» بَيَّنَّا الرخصة للمريض والمسافر وصفتهما وذكرنا أن منهم من قال: الفطر للمسافر عزيمة، ومنهم من قال:
  رخصة، وهو قول الفقهاء، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: الصوم أفضل، وعليه الأكثر، وبعضهم قال: الفطر أفضل «فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَرَ» أي فأفطر فعليه عدة من أيام أخر يقضي فيها ذلك، واختلفوا هل للعدة وقت، قال أبو حنيفة: لا، وهو موسع، وقيل: هو مُضَيَّق إذا برئ أو قَدِمَ، عن الحسن وجماعة. وقيل: مؤقت بما بين رمضانين، فإن فرط لزمه الفدية، عن الشافعي «يُرِيدُ اللَّه بِكُمُ الْيُسْرَ» بالرخصة للمريض والمسافر إذْ لم يوجب الصوم عليهما حتمًا فقيل: يريد اللَّه بكم اليسر في جميع