قوله تعالى: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب 41 اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب 42 ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب 43 وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب 44}
  نفسه وماله يقول: نالك الفقر، وذهب المال والأهل، فيذكره صحته وماله وأهله ومصائبه فيها، وكان مرض وافتقر، فضاق صدره بهذه الوساوس، فشكا إلى الله تعالى، وقيل: اشتد مرضه فطال حتى تجنبه الناس استقذارًا، وذهب مالُهُ، فَذَكَّرَهُ الشيطان أحواله ووسوس إلى الناس استقذاره، فضاق قلبه بما ناله من الشيطان، ولم يَشْكُ الألم؛ لأنه كان منه تعالى وهو يصبر عليه، وقيل: دام ذلك سبع سنين، عن قتادة. ولا يجوز أن يبلغ حالاً يستقذره الناس؛ لأن فيه تنفيرًا، فأما المرض والفقر وذهاب الأهل فيجوز امتحانا، ودعا أيوب عند ذلك ربه، فاستجاب له فقال: «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ» أي: ادفع وحرك «هَذَا مُغْتَسَلٌ» قيل: نبعت عينان، فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فقيل: «بَارِدٌ وَشَرَابٌ» فالبرودة للاغتسال والشراب للشرب، وقيل: بل وصفه بأنه بارد كي لا يظن أنه حميم، وشراب؛ لئلا يظن أنه أُجَاجٌ، وقيل: بل عين واحدة، وصفها بالبرودة والشرب، وقيل: لما اغتسل بإحداهما صح ظاهره، ولما شرب من الأخرى صح باطنه «وَوَهَبْنَا» أعطينا «لَهُ أَهْلَهُ» قيل: أزال مرضه، وأعاد أهله يعني: أولاده، وقيل: كانوا أمواتًا فأحياهم، ويحتمل أنهم كانوا مرضى فشفاهم، وغُيَّبًا فأحضرهم، «وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» [أي]: في الدنيا، قيل: «الجراد في الدنيا تساقط عليه» [من ذهب]، روي مرفوعًا حتى كثر وهو يرفع، فقيل: يا أيوب، أَمَا تشبع؟، فقال: ومن يشبع من رحمتك؟ فقيل: أطعم أهل قريته سبعة أيام، وَأَمَرَهُمْ أن يحمدوا اللهَ ويشكروه. وقيل: عافاه وقواه حتى كثر أمواله وأولاده، قيل: أعطيناه أجر موتهم وأعواضًا عنهم، واجتبيناهم مع ذلك «رَحْمَةً مِنَّا» أي: نعمة على أيوب «وَذِكْرَى» أي: تذكُّرًا وعظة «لِأُولِي الْأَلْبَابِ» لذوي العقول «وَخُذْ» أي: قلنا له: