التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب 41 اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب 42 ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب 43 وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب 44}

صفحة 6008 - الجزء 8

  خذ «بِيَدِكَ ضِغْثًا» أي: حزمة من الحشيش «فَاضْرِبْ بِهِ» امرأتك «وَلاَ تَحْنَثْ» في يمينك، وقيل: كان حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها، فقال: متى عوفيت لأضربنك مائة جلدة. وقيل: أساءت عشرتها لمرضه، فقال: خذ ضغثًا بعدما حلفت فاضرب به دفعة واحدة، عن قتادة، والضحاك. «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا» فيما ابتلي به «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ».

  · الأحكام: تدل الآيات أنه تعالى ابتلى أيوب بمحن في نفسه، وماله، وأهله، فصبر على جميعها، فرضي بقضاء الله تعالى.

  وتدل أنه شكا الشيطان فيما وسوس إليه، ولم يَشْكُ ما نزل به من جهة الله تعالى، وإنما صبر عليه على ما هو الواجب في الدين.

  ومتى قيل: أليس روي أن الله تعالى سلط إبليس حتى أمرضه؟

  قلنا: معاذ الله، الله تعالى لا يسلط على أوليائه أعداءَهُ؛ بل يخلي بعضهم لبعض مصالحهم، فأما أن يسلط أعداءه على أوليائه فلا، فأما المرض والآلام النازلة والإحياء والإماتة فلا يقدر عليها غير الله تعالى.

  وتدل أنه تعالى أعطاه بعد ذلك أهله وماله، وأنه برئ من مرضه.

  وتدل على قَسَمٍ سبق منه بضرب امرأته، وأنه نهي عن الحنث، وأُمِرَ بِالبِرِّ، فيدل على جواز الحيلة في دفع الحنث.

  فأما ما ترويه الحشوية بأنها قالت له: إن ربك لا يرحمك؛ فتقرب إلى الشيطان ليصرف عنك ضرك، فلا يصح؛ لأنه ليس في الظاهر ذلك، ولأنها من أهل بيت النبوة، ومنه فلا يجوز أن تعتقد وتقول مثل ذلك.