التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون 79 قال فإنك من المنظرين 80 إلى يوم الوقت المعلوم 81 قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين 82 إلا عبادك منهم المخلصين 83 قال فالحق والحق أقول 84 لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين 85 قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين 86 إن هو إلا ذكر للعالمين 87 ولتعلمن نبأه بعد حين 88}

صفحة 6030 - الجزء 8

  عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»، وإنما استثناهم لعلمه بأنهم لا يقبلون، فأيس منهم؛ إذ ليس عليه إلا الدعاء، فإذا علم أنهم لا يقبلون لم يبق له عليهم سلطان.

  فلما أقسم على إغوائهم أقسم الله تعالى أن يدخله ومن تبعه النار، فقال سبحانه: «قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ» وقيل: الحق والحق أقول، عن ابن عباس، وقيل: باللَّه الحق والحق أقول «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» من بني آدم، يعني: من يقبل منك. «قُلْ» يا محمد: «مَا أَسْأَلُكُمْ» أيها الناس «عَلَيهِ» على تبليغ الوحي والرسالة «مِنْ أَجْرٍ» أي: لا طمع لي فيكم؛ لأنه يؤدي إلى التنفير «وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» قيل: المتقولين القرآن من قِبَلِ نفسي، وقيل: لا أتكلف أمرًا لم يأمرني به الله سبحانه، وقيل: لا أقول شيئًا بغير علم، وقيل: لا أكلف نفسي ما هو موضوع عني، وإنما أنا رسول، عن أبي مسلم. «إِنْ هُوَ» يعني: القرآن «إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» قيل: عظة للخلق، وقيل: فيه ذكر ما يحتاجون إليه، وقيل: شرف لمن آمن به «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ» أي: خبره بعد وقت، أي: خبر القرآن عند الموت، عن الحسن، وقتادة. وقيل: يوم القيامة، عن أبي مسلم. وقيل: بعد بدر. وقيل: بعد المشاهدة التي يضطرون فيها إلى الإيمان.

  · الأحكام: تدل الآيَات أن إبليس مؤخر إلى يوم فناء الخلق.

  ومتى قيل: ما فائدة بقائه مع أنه يغوي الخلق؟

  قلنا: أما إغواؤه عند أبي علي كانوا يَضِلُّون وإن لم يكن هو. وعند أبي هاشم يجوز أن يضل بوسوسته، فيكون زيادة تكليف.

  فأما فائدة إنظاره فالله أعلم بتفاصيل المصالح، ولا بد أن فيه مصلحة، وقيل: أراد بإنظاره ليبقى الجهاد في الدين والعلم بعداوته ربَّه، ولما فيه من البعث على التفكر في العلوم وحلّ الشُّبَهِ.